وقدمت كذلك وفود قرطبة وغرناطة ومرسية لغرض التهنئة، وأقامت هذه الوفود بالحضرة إلى أواخر العام، ثم انصرفت عائدة إلى بلادها.
وفي خلال ذلك علم الخليفة أن طائفة من أهل جبل السوس الواقع على مقربة من بلاد هرغة وهي قبيلة المهدي ابن تومرت، قد استولوا لأنفسهم على ما تحصل من معدن الفضة الذي يستخرج من ذلك الجبل، وذلك بطريق الاغتصاب من عمال المنجم الخاص بذلك، فخرج الخليفة في بعض عسكره من مراكش في أول صفر سنة ٥٧٨ هـ، ولما وصل إلى الجبل المذكور، أمر ببناء حصن عليه، ووضع به حامية، ثم سار من هنالك إلى تينملل فزار قبر المهدي وقبر والده، الخليفة عبد المؤمن، وكان معه وفد من أهل إشبيلية قدم لزيارته بالحضرة قبل ذلك بقليل، ويقول لنا ابن صاحب الصلاة وقد كان ضمن هذا الوفد، إنه زار القبرين بصحبة أبي بكر بن زهر، وأبي الوليد ابن رشد، وأن الخليفة زار فضلا عن القبرين الغار الذي في جبل إيجليز حيث كان يتعبد المهدي والمسمى برابطة الغار، والرابطة الأخرى المسماة رابطة وانسرى، وكان الناس يأخذون التراب منهما للتبرك ويجعلونه على المرضي. وأمر الخليفة بهذه المناسبة، أن ينظم الشعراء قصائدهم في رثاء المهدي ورثاء أبيه، وأن يذكروا مناقبهما ومآثرهما، وأغدق عليهم صلاته الكثيرة (١).
وكان مما قيل بهذه المناسبة، في ذكر مناقب المهدي، وشرح أسطورته، والإشادة برسالته، قصيدة نظمها شاعر من أهل الجزائر، وفد على أبي يعقوب بتينملل، وأنشد قصيدته على قبر المهدي ابن تومرت بمحضر من الخليفة وشيوخ الموحدين، وإليك بعض ما ورد فيها:
سلام على قبر الإمام الممجد ... سلالة خير العالمين محمد
ومشبهه في خلقه ثم في اسمه ... وفي اسم أبيه والقضاء المسدد
ومحيي علوم الدين بعد مماتها ... ومظهر أسرار الكتاب المسدد
أتتنا به البشرى بأن يملأ الدنا ... بقسط وعدل في الأنام مخلد
ويفتتح الأمصار شرقاً ومغرباً ... ويملك عرباً من مغير ومنجد
فمن وصفه أقنى وأجلى وإنه ... علاماته خمس تبين لمهتدي