للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخليفة أبو يعقوب يوسف، من مدينة إشبيلية، نحو الشمال، بنفس الترتيب الذي سبق وصفه. وكان السير هيناً وئيداً، فوصلت بعد تسعة أيام إلى حصن العرجة (١) في طريق بطليوس، وهنالك تم اجتماع الجيوش الموحدية، وقد بدت في أكمل نظام، وأحسن زي، وتقلد الجند كامل أسلحتهم من السيوف والدروع والقسي وغيرها، ثم استأنفت الجيوش سيرها، حتى وصلت إلى مدينة بطليوس، فأمر الخليفة بالنزول في ظاهرها، وأن يجرى تمييز الجند، واستكملت الجيوش ما كان ينقصها من الزاد والميرة. وكان الوزير السابق إدريس بن جامع منفياً في بطليوس ومعه في المنفى أيضاً أبو زكريا بن حيون الكومي شيخ قبيلة كومية، فالتمسا إلى أمير المؤمنين حين مقدمه أن يأذن لهما بالاشتراك في الجهاد فأذن لهما.

وكان الموقف بالنسبة للممالك النصرانية قد تغير قبل ذلك بأعوام، وانقطعت كل مهادنة بينها وبين الموحدين، وجنحت كلها إلى العدوان، وإلى غزو أراضي الأندلس كل من الناحية التي تليها، وذلك حسبما فصلناه من قبل. وكان فرناندو ملك ليون قد نبذ محالفة الموحدين حسبما تقدم، وحذا حذو زملائه في انتهاج هذه السياسة العدوانية، وعقد مع ملك قشتالة ألفونسو الثامن معاهدة تعهد فيها بأن يلتزم معاداة الموحدين، وألا يعود إلى محالفتهم قط، وقطع زميله ملك قشتالة على نفسه مثل هذا العهد (يونيه سنة ١١٨٣ م). وكان في الوقت الذي عبرت فيه الجيوش الموحدية إلى شبه الجزيرة، يقوم بغزوة جديدة لأراضي الأندلس، ويحاصر مدينة قاصرش (٢) الواقعة شمال شرقي بطليوس على مقربة من نهر التاجُه، واستمر يحاصرها طول الشتاء حتى نهاية الربيع. وكان الخليفة الموحدي يعلم بأمر هذا التحالف الجديد بين قشتالة وليون. وكان الذائع بين الملوك النصارى أن الجيوش الموحدية الغازية، قد تغزو أي الممالك النصرانية، أعني قشتالة أو ليون أو البرتغال، إذ كانت جميعاً سواء في موقفها العدواني من الموحدين، وفي الإغارة على أراضي الأندلس. بل إن الرواية النصرانية، وبخاصة الرواية البرتغالية، تنسب إلى الخليفة الموحدي من غزوته هذه مشاريع أجل خطراً، وأبعد مدى، فتقول لنا إنه كان يبغي، بعد الاستيلاء على شنترين، أن يقوم بافتتاح مملكة البرتغال كلها شمالا حتى نهر دويرة، ثم يسير بعد ذلك إلى غزو مدينة طليطلة


(١) وهو بالإسبانية Alanje.
(٢) وهي بالإسبانية Caceres.

<<  <  ج: ص:  >  >>