للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جريحاً في محفة، فلم يمض على ذلك يومان أو ثلاثة حتى توفي متأثراً بجراحه (١).

وهنالك رواية أخرى مماثلة تقترب في جوهرها من رواية المراكشي، وهي رواية صاحب روض القرطاس، وهي أنه لما وقع ارتداد معظم الجيش الموحدي ليلا، وجاء الصبح، فلم يجد الخليفة حوله سوى اليسير من خاصته وحشمه الذين يرحلون لرحيله، وينزلون لنزوله، وقواد الأندلس لأنهم هم الذين كانوا يمشون أمام ساقته وخلف محلته، فلما أشرقت الشمس وشهد النصارى ما وقع من ارتحال المحلة الموحدية، وأنه لم يبق منها حول المدينة سوى قبة أمير المؤمنين وعبيده وحشمه وأهل دائرته، وتحققوا ذلك من جواسيسهم، فتحوا أبواب المدينة، وخرج جميع من فيها خرجة عنيفة وهم ينادون " الري. الري " (٢) أعني الملك، فاقتحموا محلة العبيد، حتى وصلوا إلى خباء الخليفة، فمزقوه واقتحموه، فدافعهم الخليفة بسيفه حتى قتل منهم ستة رجال، فطعنه أحدهم طعنة نافذة، وقتل ثلاث من جواريه كن قد انصبن عليه حتى طعن، وسقط على الأرض، فتصايح الفرسان والعبيد والأجناد والموحدون وقواد الأندلس، واجتمع المسلمون فقاتلوا النصارى قتالا عنيفاً حتى ردوهم عن الخباء، ثم تابعوا قتالهم بشدة حتى هزموهم وردوهم إلى أبواب المدينة، وقتلوا منهم جموعاً غفيرة تقدر بما يزيد على عشرة آلاف، واستشهد من المسلمين جماعة. ثم ركب أمير المؤمنين، وقد أشرف على الموت، وارتحل الناس، ومات الخليفة خلال الطريق، وكانت وفاته في يوم السبت الثاني من ربيع الآخر سنة ٥٨٠ هـ (١٣ يوليه سنة ١١٨٤ م) وذلك على مقربة من الجزيرة الخضراء في طريق جوازه إلى العدوة (٣).

ويؤيد هذه الرواية عن مصرع الخليفة أبي يعقوب متأثراً بجراحه، من المؤرخين المتأخرين، الوزير ابن الخطيب، حيث يقول لنا إن الخليفة توفي بظاهر شنترين من سهم أصابه في خبائه وهو محاصر لها، قضى عليه، وكتم موته.

بيد أنه يضع تاريخ مصرعه في الثامن والعشرين من ربيع الآخر سنة ٥٨٠ هـ


(١) المراكشي في المعجب ص ١٤٥ و ١٤٦، ونقل ابن خلكان هذه الرواية في وفيات الأعيان ج ٢ ص ٤٩٤.
(٢) " El Rey El Rey ".
(٣) روض القرطاس ص ١٤٠، ١٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>