للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن نصارى شنترين أدركوا عندئذ ما وقع في المعسكر الموحدي، من إقلاع وارتداد، فبادروا بالخروج من المدينة، وهجموا على القوات المنسحبة بشدة، وأدركوا ساقة الخليفة، ودافعت الفلول الموحدية بمنتهى البسالة، وسقط خلال ذلك عدد من أكابر الموحدين والأندلسيين، ووصل النصارى إلى مقر الخليفة نفسه بعدوة الوادي، وأصابه بعضهم بجراح خطيرة. وعلى أثر انتهاء المعركة أمر الخليفة بتفرق الجموع، ورجوع كل جندي إلى قبيلته، وأمر بتخريب الوادي، وانتساف زروعه، وقطع أشجاره وهدم ضياعه، وتغوير مائه، وحرق كل ما يمكن حرقه، كما أمر بتقسيم السرايا في نواحي الوادي لتحصيل الأقوات، وانتزاع السبي والغنائم. كل ذلك الخليفة الجريح ملتزم فراشه، ومن حوله أطباؤه ابن زهر وابن طفيل (١) وابن قاسم، وهو يزداد ضعفاً على ضعف، ثم أمر الخليفة بالرحيل، وهو محمول في محفة، حتى تم اجتياز وادي التاجُه، وما كاد الموكب يقطع بضعة أميال أخرى، حتى أسلم الخليفة الروح، وذلك في الثامن عشر لربيع الآخر سنة ٥٨٠ هـ (٢٩ يوليه سنة ١١٨٤ م) (٢).

تلك هي رواية القاضي أبي الحجاج يوسف بن عمر، المرافق للجيش المنسحب عن ظروف الارتداد وعن إصابة الخليفة أبي يعقوب يوسف ووفاته متأثراً بجراحه. بيد أن هناك رواية أخرى هي رواية المراكشي، وهو أيضاً معاصر، ومن مؤرخي الموحدين، وهي أنه لما رأى نصارى شنترين ما حدث من عبور الموحدين، وانصراف معظم الجيش المحاصر، ووقفوا على ما قرره الخليفة من الارتحال في بقية جيشه، خرجوا من المدينة في خيل كثيفة، وحملوا على المحلة الموحدية بشدة، حتى بلغوا قبة أمير المؤمنين، ودافعهم من حولها، وجلهم من أعيان الأندلس، حتى قتل كثير منهم، ونفذ النصارى إلى خباء الخليفة، فطعنه أحدهم تحت سرته طعنة توفي منها بعد أيام يسيرة، وتكاثر الموحدون على الروم حتى ردوهم، فانهزموا راجعين إلى المدينة، وعبر أمير المؤمنين النهر


(١) وردت في النص "ابن مقبل " ولكنا نعتقد أن ذلك تحريف لاسم ابن طفيل طبيب الخليفة الخاص.
(٢) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٣٧ و ١٣٨. وتضع معظم الروايات تاريخ وفاة الخليفة في شهر ربيع الآخر على خلاف في اليوم الذي توفي فيه. ولكن المراكشي ينفرد بالقول بأن الخليفة أبا يعقوب توفي في اليوم السابع من رجب سنة ٥٨٠ هـ (أكتوبر سنة ١١٨٤ م) المعجب ص ١٤٧.
ويجاريه في ذلك ابن خلكان. فيذكر نفس التاريخ (الوفيات ج ٢ ص ٤٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>