للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضبطها بحزم وقوة. واستمر على سياسة أبيه من جعلها ملجأ للوافدين من فلول

لمتونة، ورمزاً لثورة المرابطين الأخيرة ضد الموحدين. وكان أولئك المرابطون ْالوافدون على الجزائر يمدونها بعونهم، وروح البغض المتأصلة فيهم ضد الموحدين، بقوى ذات شأن. وفي عهد إسحاق نمت موارد الجزائر وقوتها نمواً كبيراً، وأضحت أساطيلها القوية عاملا يحسب حسابه في ميزان القوي البحرية في هذا الجانب من البحر المتوسط. ويبدو من خطاب أرسله الفارس برنجير دي ترّاجونا، وهو من أشراف برشلونة، وكان قد لجأ إلى ميورقة، فراراً من اضطهاد أميره، إلى ألفونسو الثاني ملك أراجون في سنة ١١٧١ (٥٦٧ هـ) ما كانت عليه ميورقة الإسلامية في ذلك العهد من القوة والازدهار ووفرة الموارد. وكانت حملات إسحاق البحرية تتردد بالغزو بانتظام لشواطىء الممالك النصرانية القريبة، وتثخن فيها، وتحرز مقادير عظيمة من الغنائم والسبي، ويقول لنا المراكشي إنه كان يغزو هذه الشواطىء في العام مرتين (١). وفي الروايات النصرانية، أن مسلمي ميورقة في عهد إسحاق غزوا ثغر طولون في جنوبي فرنسا، واستولوا عليه في سنة ١١٧٨ م (٥٧٤ هـ) وأسروا الفيكونت هوجو جودفريد صاحب مرسيليا، وعدة آخرين من أكابر النصارى، وكان من أثر اشتداد قوة ميورقة البحرية، وتوالي غزواتها لشواطىء الدول النصرانية القريبة، أن سعت جمهوريات جنوة وبيزة والبندقية إلى عقد المهادنة والصلح مع إسحاق، فعقدت بين الفريقين في سنة ١١٧٧ م (٥٧٣ هـ) معاهدة صلح وصداقة تعهد فيها كل منهما ألا يحدث أضراراً للآخر في البر ولا في البحر، واستمرت هذه المعاهدة سارية حتى توفي إسحاق في أوائل سنة ٥٧٩ هـ (١١٨٣ م) (٢).

ونحن نعرف أن ثورة ابن مردنيش ضد الموحدين، استطالت زهاء ربع قرن حتى وفاته في سنة ٥٦٧ هـ (١١٧١ م)، وفي خلال ذلك كان ابن مردنيش يسيطر على شرقي الأندلس كله، وعلى أجزاء من الأندلس الوسطى. وكانت مملكة ميورقة خلال هذه الفترة، تشعر بما تسبغها عليها سيطرة ابن مردنيش لشرقي الأندلس من طمأنينة وسلامة. بيد أن سلطان ابن مردنيش ما لبث أن أخذ في التصدع،


(١) المراكشي في المعجب ص ١٥٢. وكذلك A. Bel: Les Benou Ghania, p. ٢٤ & ٢٥
(٢) راجع: A. Campaner y Fuertes: Bosquejo Historico de la Dominacion
Islamica en las Islas Baleares (Cit. Espana Sagrada) p. ١٤٤ - ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>