للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعين لهم والياً آخر، فاستجاب أمير المسلمين إلى رغبتهم، وعين والياً جديداً للجزائر، ولم يكن هذا الوالي الجديد، سوى محمد بن غانية المسّوفيى، وهو أخو الأمير القائد أبي زكريا يحيى بن غانية، وكان يتولى النظر على أعمال قرطبة. فقدم إلى الجزائر في سنة ٥٢٠ هـ (١١٢٦ م) وتولى شئونها بحزم وكفاية، وشاء القدر أن تكون ولايته للجزائر، فاتحة عهد جديد في تاريخها، يتصل مدى أمد قصير بتاريخ الدولة المرابطية، ثم يغدو بعد ذلك مستقلا في ظل بني غانية.

وقد سبق لنا التعريف ببني غانية، وتتبع سيرة زعيمهم القائد البطل يحيى ابن غانية، حتى وفاته بغرناطة سنة ٥٤٣ هـ (١١٤٨ م)، خلال غمار الثورة التي اضطرمت بأرجاء الأندلس ضد المرابطين. أما أخوه محمد بن غانية، فقد لبث على ولايته للجزائر، حتى سقطت الدولة المرابطية، ودخل الموحدون مراكش، في شوال سنة ٥٤١ هـ (مارس ١١٤٧). وكان محمد، مذ رأى انهيار الدولة المرابطية، وقيام أمر الموحدين، يعمل على توطيد سلطانه بالجزائر، والاستقلال بشئونها. ولما قضى الأمر وانتهت الدولة المرابطية، لبث محمد مع ذلك على ولائه لقضية المرابطين ولمتونة، واستمر يدعو في الخطبة لأمير المسلمين وبني العباس، وجعل من ميورقة والجزائر، ملجأ ومثوى للوافدين والفارين من فلول لمتونة والمرابطين، يستقرون بها تحت حمايته ورعايته.

واستطال حكم محمد بن غانية للجزائر زهاء ثلاثين عاماً، وكان يرقب من مقره النائي بالبحر، سير الحوادث، وتقدم أمر الموحدين بشبه الجزيرة. بيد أنه كان يرى في قيام ابن مردنيش ضد الموحدين، وتمكن سلطانه في شرقي الأندلس، عاملا يدعو إلى الطمأنينة. وكان مذ شعر بتوطد أمره، في تلك الجزائر المنعزلة، يعتزم أن يجعل منها ملكاً مؤثلا له ولعقبه. وكان له من الولد أربعة هم عبد الله وإسحق والزبير وطلحة، فاختار لولاية عهده أكبر أولاده عبد الله.

وهنا تختلف الرواية فيقال إن إسحاق حقد على أخيه ودبر مؤامرة قتل فيها أبوه وأخوه. وفي رواية أخرى أن عبد الله خلف أباه في حكم الجزائر حينما توفي سنة ٥٥٠ هـ (١١٥٥ م)، وأن أخاه إسحاق خلفه في الحكم بعد وفاته (١).

وعلى أي حال فقد تولى إسحاق بن محمد بن غانية حكم الجزائر الشرقية،


(١) ابن خلدون ج ٦ ص ١٩٠، والمعجب للمراكشي ص ١٥٢، وراجع أيضاً:
A. Bel: Les Benou Ghania (Paris ١٩٠٣) p. ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>