للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إقدامه على مضاعفة وزن الدينار الموحدي. وكان الدينار الموحدي القديم صغير الحجم، صغير الوزن، لا يعدو وزنه القانوني بحسب الوزن الحديث جرامين وخمسة وثلاثون في المائة من الجرام، فأمر المنصور بمضاعفة وزنه، وأخرجت دار السكة الموحدية بمدينة فاس، الدينار الجديد بوزن أربعة جرامات وسبعين في المائة من الجرام، فكان لذلك الإجراء أثر بالغ في بث الطمأنينة المالية، واستقرار التعامل بين الناس (١).

ْبيد أنه حدثت في نفس تلك الفترة التي خيم فيها ظل الأمن والاستبشار على العاصمة الموحدية، والتي عنى فيها الخليفة الجديد، بأعمال الإصلاح والإنشاء - حدثت بإفريقية حوادث في منتهى الخطورة، إذ هاجم بنو غانية أصحاب الجزائر الشرقية، أو أصحاب ميورقة، ثغر بجاية واستولوا عليه، واستولوا على عدة أخرى، من ثغور الشاطىء، وكان ذلك بداية ذلك الصراع المرير الذي نشب في أراضي إفريقية بين الموحدين وبني غانية، واستطال أكثر من نصف قرن، وكان له أبلغ الأثر في انحلال الدولة الموحدية واستغراق جهودها، وتبديد قواها ومواردها. ولابد لنا لكي نفهم طبيعة ذلك الصراع وتطوراته، والبواعث التي أدت إليه، أن نعود فترة طويلة إلى الوراء، نستعرض فيها تاريخ الجزائر الشرقية، مذ أسندت ولايتها إلى بني غانية أيام العهد المرابطي.

- ١ -

ذكرنا فيما تقدم من أخبار الدولة المرابطية أن أمير المسلمين علي بن يوسف، حينما غزا الجنويون والبيزيون وحليفهم أمير برشلونة، الجزائر الشرقية (جزائر البليار) في أواخر سنة ٥٠٨ هـ (أوائل سنة ١١١٥ م) واستولوا على مدينة ميورقة بعد حصار طويل، بادر بتجهيز أسطول مرابطي ضخم لاسترداد الجزائر، واستردها المرابطون بالفعل في أواخر سنة ٥٠٩ هـ (١١١٦ م) وعين أمير المسلمين لولايتها وانور بن أبي بكر اللمتوني، فلبث في حكمها زهاء عشرة أعوام، ولكنه أساء السيرة واستبد وبغى، حتى اضطرمت الثورة في الجزائر، وقبض الثوار على وانور، وبعثوا به إلى أمير المسلمين، يشرحون ظلاماتهم، ويلتمسون إليه أن


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٥٤، وراجع كتاب " الدوحة المشتبكة في ضوابط دار السكة " المنشور بعناية الدكتور حسين مؤنس (معهد الدراسات الإسلامية بمدريد سنة ١٩٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>