للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورأى الخليفة أن يقرن هذا التوجيه إلى تحقيق العدالة، بأن يجلس للنظر بنفسه في المظالم وإجراء العدل، واتخذ مجلسه لذلك الغرض بالمسجد الجامع المجاور لقصر الحجر القديم، وكان بدأ جلوسه في غرة شهر رجب سنة ٥٨٠ هـ، وكان يداوم جلوسه منذ الضحى إلى قرب الزوال. ويفد إليه المتظلمون من كل ضرب، فيؤنسهم برفقه ولينه، ويستمع إلى ظلاماتهم، وكثرت دعاوى المدعين من السوقة والتجار، قبل السادة والأشياخ والأكابر، بطلب الحقوق والأموال، وكثر في ذلك الزور والتدليس، فكان يقع الصلح في معظم الأحوال بما يرضي المدعين دفعاً للفضيحة، فلما تمادى هذا الأمر، وكثر وفود السفلة والغوغاء وانكشف أمرهم، وبدا تحاملهم، قطع الخليفة جلوسه للعامة، وأسدل الستار على هذا السيل من الإفك والبهتان (١).

وفي العام التالي، اعتزم الخليفة أن ينشىء ضاحية ملوكية تتفق مع روعة الملك ومقتضياته، وذلك بعد أن ضاق قصر الحجر القديم - قصر على بن يوسف - وملحقاته، عن استيعاب الأغراض الخليفية، ومطالب البلاط والحاشية، فاختطت ضاحية الصالحة، على رقعة مستطيلة تمتد في جنوبي مراكش، ما بين باب أغمات شرقاً وباب الشريعة غرباً. وكان البدء في إنشائها في مستهل شهر رجب سنة ٥٨١ هـ (٢٨ سبتمبر سنة ١١٨٥ م) وحشد لبنائها رهط من المهندسين والعرفاء، وآلاف من العمال والبنائين والفنانين، من المغرب وإفريقية والأندلس، وجمعت لها سائر الآلات اللازمة، ورتب لها الحفاظ والنظار. وأمر الخليفة أن يراعى في إقامتها منتهى الإتقان والمتانة، وأنشئت بها عدة قصور ملوكية، ومسجد جامع، ما زال يقوم بها حتى اليوم، ويحمل اسم منشئه الخليفة يعقوب المنصور، واستمر العمل في بنائها نحو أربعة أعوام، حيث كملت في شهر ربيع الأول سنة ٥٨٤ هـ (مايو سنة ١١٨٨ م)، وبدت في أجمل هيئة، وأضحت عروس الحاضرة المراكشية، بما أسبغ عليها من ضروب التنسيق والإتقان، والفخامة (٢).

وفي نفس هذا العام الزاخر بمشاريع الإصلاح والإنشاء أعني سنة ٥٨١ هـ (١١٨٥ م) اتخذ الخليفة خطوة جديدة لها خطرها، في ميدان الإصلاح المالي، وذلك هو


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٤٤ و ١٤٥.
(٢) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٤٥ و ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>