للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبدأ الخليفة يعقوب عهده بعمل خير مشكور، فأخرج من بيت المال مائة ألف دينار من الذهب، فرقت في أسر الفقراء والضعفاء في سائر أنحاء المغرب، وأمر بتسريح المسجونين (١). ثم نشط إلى مطاردة مظاهر الفساد التي بدت بالحاضرة الموحدية على أثر عودته، وكان الناس قد انغمسوا، في الدعة، وانهمكوا في ضروب اللهو والملاذ، وراجت سوق الخمور والقيان والغانيات، فأريقت الخمور في كل مكان، ونفذت الأوامر بذلك إلى سائر الجهات، وأنذر المخالفون بعقاب الموت، وطاردت الشرطة كل مستهتر، وألقت القبض على من وجد من المغنين، فتفرقوا في كل مكان، ولاذوا بالنكيرة والاختفاء، واختفى القيان، وزهد الناس في مجالسهن، وبعث الخليفة بهذه المناسبة إلى إشبيلية، حاضرة الأندلس الموحدية، برسالة إلى الطلبة والموحدين والأشياخ مؤرخة في عقب رمضان سنة ٥٨٠ هـ يأمر فيها بمطاردة شراب الرُّب، وهو مسكر ذائع، وقطعه جملة، ومنع بيعه وإغلاق حوانيته، وإراقة ما يوجد منه، وتوقيع أشد العقاب على من يقتنيه، وبأن تنفذ هذه الرسالة إلى كافة الجهات للعمل بما فيها (٢). وأمر الخليفة كذلك بمنع الثياب الحريرية الغالية، والاجتزاء منها بالرمم الرقيق، ومنع النساء من لبس الثياب الحفيلة، والاقتصار على الساذج القليل، وأخرج ما كان في المخازن من ضروب ثياب الحرير والديباج المذهب، فبيعت منه مقادير وفيرة بأثمان باهظة. وهكذا هبت على العاصمة الموحدية ريح من الاقتصار والتواضع والتقشف، واختفى كثير من ضروب الفساد التي كانت ذائعة بها (٣).

وعنى الخليفة في نفس الوقت بالعمل على بسط العدل وتأييده ورد المظالم التي وقعت أيام أبيه، ومطاردة الظلم والعمال الظلمة، فنفذت كتبه إلى سائر الولاة والعمال بمراعاة العدل، وتأنيس الرعية، والعمل على إرضائهم في اقتضاء حقوقهم، وكف الظلمة عن إرهاقهم، وإباحة جواز البحر إلى المشتكين والمتظلمين من شبه الجزيرة. فاستبشر الناس بالعهد الجديد وطوالعه، وأملوا تحقيق العدل والخير.


(١) روض القرطاس ص ١٤٣.
(٢) الرسالة الثامنة والعشرون من الرسائل الموحدية (ص ١٦٤ - ١٦٧).
(٣) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٤٣، و ١٤٤، و ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>