للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما عاد عبد الرحمن إلى قرطبة نمى إليه خبر مؤامرة خطيرة دبرت لسحقه، بزعامة ابن أخيه المغيرة بن الوليد بن معاوية، وهذيل ولد الصميل بن حاتم. ولم تكن هذه أول مؤامرة من نوعها، فقد دبرت قبل ذلك ببضعة أعوام سنة ١٦٣هـ مؤامرة أخرى، وعلى رأسها أيضا اثنان من أقطاب بني أمية، الذين وفدوا على الأندلس حينما تألق طالع عبد الرحمن، هما عبد السلام بن يزيد بن هشام المعروف باليزيدي، وهو ابن عم عبد الرحمن، وعبيد الله بن أبان بن معاوية وهو ابن أخيه، وذلك بمعاونة أبى عثمان كبير الدولة. وكان عبد الرحمن مذ تم له الأمر، يسعى إلى استقدام فل بني أمية من المنفي، ويدعوهم إليه ليكونوا له عوناً وعصبة، ويظلهم برعايته، ويغدق عليهم من نعمه، ويختارهم لمختلف المناصب. ولكن روحاً سيئاً من الحقد والحسد، كان يحفز أولئك الأقارب لمناوأة ذلك الذي هيأت له الأقدار أن يفوز دونهم، بتراث بني أمية في الأندلس. فائتمروا به غير مرة، وشجعهم على ذلك بعض الخوارج الناقمين والمنافسين الطامعين، ولكن عبد الرحمن كان يكتشف الخطر قبل وقوعه، ويسحقه بكل ما أوتي من شدة وصرامة، فلم يحجم حينما وقف على المؤامرة الأولى، عن قتل ابن عمه عبد السلام اليزيدي وعبيد الله ابن أخيه أبان، وعفا عن أبى عثمان لمكانته وسابق صنيعه. ولم يحجم حينما وقف على المؤامرة الثانية، عن قتل المغيرة ابن أخيه الوليد، وزميله هذيل بن الصميل ومن معهما، ونفي أخاه الوليد وأسرته إلى المغرب. وقد نقل إلينا مؤرخ أندلسي عن بعض موالي عبد الرحمن، أنه دخل عليه أثناء قتله المغيرة ابن أخيه، وهو مطرق شديد الغم فرفع رأسه وقال: " ما عجبي إلا من هؤلاء القوم. سعينا فيما يضجعهم في مهاد الأمن والنعمة وخاطرنا بحياتنا، حتى إذا بلغنا منه إلى مطلوبنا ويسر الله تعالى أسبابه، أقبلو علينا بالسيوف. ولما آويناهم وشاركناهم فيما أفردنا الله تعالى به، حتى أمنوا وردت عليهم أخلاف النعم، هزوا أعطافهم، وشمخوا بآنافهم، وسموا إلى العظمى، فنازعونا فيما منحه الله تعالى، فخذلهم الله بكفرهم النعم، إذ أطلعنا على عوراتهم، فعاجلناهم قبل أن يعاجلونا، وأدى ذلك إلى أن ساء ظننا في البرىء منهم، وساء أيضاً ظنه فينا، وصار يتوقع من تغيرنا عليه ما نتوقع نحن منه " (١).


(١) الحجاري في كتابه " المسهب "؛ ونقله المقري في نفح الطيب (ج ٢ ص ٧٢ و٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>