للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد برز الجيش الموحدي في أروع حلله واكتمال عدته، وسمة خطورته، ولما وصل المنصور إلى القيروان، وجه منها إلى ابن غانية وحلفائه كتاباً ينذرهم فيه بوجوب دخول الطاعة، ونبذ الشقاق والعدوان، فاعتقل ابن غانية الرسول ولم يجبه بشىء (١) ولكنه جد في أهباته، ورأى الخليفة خلال تجواله بالقيروان، وأحيائها الخربة المقفرة، ما انتهى إليه جامعها الشهير من العفاء والبلى، فبعث من فوره إلى ولاة شرقي الأندلس، بإعداد كساه وفرشه وزخارفه.

واستمر سير الجيش الموحدي بعد ذلك جنوباً في طريق قابس حتى وصل إلى مقربة من " الحَمّة " الواقعة على مقربة منها، وقد بدت طلائع العدو، وكان علي بن غانية وحلفاؤه من الترك والعرب، قد عسكروا في موقع حصين على مقربة ْمن الحمة في انتظار الموحدين. فضرب الموحدون محلتهم إزاء العدو، واعتزم المنصور أن يبادر منذ الغد بمهاجمة العدو، وأن يقود المعركة بنفسه بالرغم من اعتراض القرابة والأشياخ، وقدم المنصور على مختلف القبائل أشياخ قرابته وأكابر عشيرته. وما كاد الصبح يسفر، وتبدد الشمس حجب الضباب المتراكم، حتى دفع المنصور بعض قواته على معسكر العرب الضالعين مع العدو، فبدد شملهم وأركنوا كعادتهم إلى الفرار، واحتوى الموحدون على سائر أسلابهم، وفتت هذه الضربة الأولى في عضد ابن غانية وحلفائه. ثم انقض المنصور بعد ذلك في سائر قواته على جموع الميارقة والترك، ونشبت بين الفريقين معركة دموية عنيفة لم تدم سوى بضع ساعات، وقد أدرك علي بن غانية وحليفه أنهما يخوضان المعركة الحاسمة في ظروف قاتمة. ولم يأت الظهر حتى كان الموحدون قد مزقوا صفوف العدو تمزيقاً، وأبيد معظمهم بالقتل، وفرقت فلولهم في مختلف الأنحاء، وكانت ضربة دموية ساحقة للميارقة والترك، وفر ابن غانية وحليفه قراقوش في بعض فلولهما صوب توزر، فسار الموحدون في أثرهم، ولما اقترب الموحدون من توزر علم المنصور أن ابن غانية وحليفه قد فرا إلى الصحراء وغاض أثرهما. وتمت هذه الهزيمة الساحقة على ابن غانية في يوم الأربعاء التاسع من شعبان سنة ٥٨٣ هـ (١٥ أكتوبر سنة ١١٨٧ م) (٢).


(١) الرسائل الموحدية - الرسالة الثلاثون ص ١٨٦.
(٢) ابن الأثير ج ١١ ص ١٩٦، والبيان المغرب - القسم الثالث ص ١٦٢ و ١٦٣، ورحلة التجاني ص ١٣٦، و ١٣٧ و ١٦٢، والرسالة الثلاثون من رسائل موحدية ص ١٨٨. وكذلك: A. Bel: ibid ; p. ٨١ & ٨٢

<<  <  ج: ص:  >  >>