للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان هذا خطأ عسكرياً دفع الموحدون ثمنه غالياً. ذلك أنه لما وصل الجيش الموحدي إلى تونس، واستراح الجند من أثقالهم، وجددوا مؤنهم ولوازمهم، جهز الخليفة حملة من ستة آلاف فارس تحت إمرة ابن عمه السيد أبي يوسف يعقوب ابن أبي حفص، وعمر بن أبي زيد من أشياخ الموحدين، والقائد علي الربرتير، وسارت هذه الحملة إلى مقاتلة علي بن غانية وجموعه، وكانت ترابط على مقربة من قفصة. فلما اقترب الموحدون من محلة الميارقة وحلفائهم الترك تحت إمرة قراقوش، خرج إليهم علي بن غانية في جموعه، والتقى الفريقان في السهل المسمى بسهل " عُمرة " وذلك في اليوم الخامس عشر من شهر ربيع الأول سنة ٥٨٣ هـ (٢٥ مايو سنة ١١٨٧ م) ونشبت بين الفريقين معركة شديدة، وظهر انقسام الجيش الموحدي واختلاله منذ البداية، حيث تقدم الجناح الذي يقوده علي الربرتير إلى الهجوم فمزقته سهام الأعداء وطعناتهم، وسقط الربرتير أسيراً وتفرق صحبه، وحدث مثل ذلك حينما هجم القائد أبو علي بن يومور في طوائف العرب الذين يقودهم، فخذلوه في القتال كعادتهم المأثورة، وأسر ابن يومور وقد أثخن جراحاً. واختلت صفوف الموحدين في كل ناحية وكثر القتل فيهم، وما انتهى النهار حتى كان الجيش الموحدي قد مزق تمزيقاً، وفر السيد أبو يوسف في فل من أصحابه

صوب تونس، وهلك عدة من الأشياخ، وفي مقدمتهم عمر بن أبي زيد، وبقى معظم الرجالة ممن لم يستطيعوا الفرار ولاسيما الجرحى، فلجأوا إلى قفصة، وشجعهم على ذلك ابن غانية، ووعدهم بالأمان وتركهم يملأون طرقات المدينة، حتى إذا اجتمعوا فيها أمر بقتلهم، فقتلوا جميعاً. وجلس ابن غانية بخباء السيد أبي يوسف، وجمعت بين يديه أسلاب الموحدين وأسلحتهم، ففرقها في جنده، واقتيد إليه علي بن الربرتير وابن يومور، فأمر بتعذيبهما ثم قتلهما، وعلق رأس ابن يومور على باب قفصة. وكانت على الجملة هزيمة ساحقة للموحدين لم يصبهم مثلها منذ بعيد (١).

وكان لتلك النكبة في نفس الخليفة يعقوب المنصور أعمق وقع، فاعتزم أن يأخذ بالثأر، وأن يستأصل شأفة العدو، ولم يدخر وسعاً في الأهبة، وفي تمييز جيشه وفي إعداده للضربة الحاسمة. ثم خرج في قواته من تونس في مستهل شهر رجب سنة ٥٨٣ هـ (٨ سبتمبر سنة ١١٨٧ م) وسار جنوباً صوب القيروان،


(١) ابن الأثير ج ١١ ص ١٩٦، والبيان المغرب القسم الثالث ص ١٦٠ و ١٦١، ورحلة التجاني ص ١٣٦ و ١٦٢. وراجع A. Bel: ibid ; p. ٧٨ - ٨٠

<<  <  ج: ص:  >  >>