للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخطر انسلاخهم أثناء القتال إلى جانب إخوانهم عرب إفريقية، ومن جهة أخرى فقد اقتصر الخليفة في حشوده على القلة المختارة من الجند، نظراً لصعوبة تموين الحشود الجرارة في إقليم خربت أرجاؤه، ونضبت موارده، من كثرة الغزوات والمعارك (١). وأصدر الخليفة أوامره المشددة في نفس الوقت إلى سائر العمال بالمنازل وأمهات الطرقات بتمهيد المسالك، وتوطيد السبل، ونصب الجسور في أماكنها، وإعداد الأقوات والعلوفات، فكان الجند يسيرون في طرق ممهدة، موفورة المرافق والموارد، مما لم يكن معهوداً من قبل في مثل هذه الرحلات الغازية.

واستراح الخليفة وجيشه في حضرة فاس، وقضى بها معظم أشهر الشتاء، وغمر والي فاس وأهلُها الجيش الموحدي، بمختلف ضروب الإكرام والضيافات، وجدد الجند أسلحتهم وعددهم وملأوا أزودتهم، ونظر الخليفة في شئون المدينة، وترتيبها على أكمل وجه، ثم غادر الخليفة وجيشه فاس إلى رباط تازة وهو خلال الطريق دائب النظر في شئون الرعية، ومجتهد في إزالة المظالم، وتحقيق مبادىء العدل والإنصاف. وفي تازة لاحظ الخليفة أن الإخوة والأعمام قد اختصوا بلباس الغفائر الزبيبية، والبرانس المسكية، فأنكر عليهم اتخاذ ذلك الزي لكونه زي الخليفة في حالتي ركوبه وجلوسه، فجمعهم السيد أبو زيد والي بجاية السابق باعتباره عميدهم، المقدم عليهم، وذكرهم بوجوب التزام المراسيم الخلافية، وأن يتجنبوا التشبه بالخليفة فيما هو خاص به فامتنعوا من ذلك الحين عن اتخاذ الملابس التي تحمل الألوان الخلافية (٢).

ولما وصل الجيش الموحدي إلى أراضي قسنطينة، وكان علي بن غانية يرقب حركاته، اجتمع ابن غانية في قواته من الميارقة والأعراب والأغزاز وبعض طوائف سُليم، على مقربة من القيروان، وبدت طلائعهم أمام الجيش الموحدي، وكان رأي الخليفة يعقوب أن يبادر بمهاجمة خصومه من قبل أن يكمل استعدادهم، ولكن الأشياخ والوزراء رأوا في المجلس الذي عقد للشورى أن الأفضل، أن يتابع الجيش الموحدي سيره إلى تونس، وهنالك ينال قسطه من الراحة والاستعداد، وهكذا وصل الجيش الموحدي إلى تونس في شهر صفر سنة ٥٨٣ هـ.


(١) ابن الأثير ج ١١ ص ١٩٦، والبيان المغرب القسم الثالث ص ١٥٨.
(٢) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٥٨ و ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>