للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استعادة الجزائر على يد عبد الله بن غانية وتمكين سلطان بني غانية بها، عاملا جديداً، في ذيوع أمر علي وتوطيد هيبته وسلطانه.

وبسط علي بن غانية على إفريقية حكم إرهاب مطبق، وأطلق العنان لأحلافه من طوائف العرب، يعيثون أينما استطاعوا فساداً، ويطلقون أيديهم بالإيذاء والسلب والنهب والسبي، لا يرعون حرمة ولا يرحمون ضعفاً، وعلىٌّ لا يستطيع منعهم أو ردعهم استبقاء لولائهم ومحالفتهم. وقد وصف مؤرخ رحالة حالة إفريقية في ذلك الوقت بإيجاز في قوله " إنه هلك العباد وخراب البلاد ". وكان من شنائع علي بن غانية أنه سار إلى جزيرة باشو بالقرب من حضرة تونس في غضون سنة ٥٨٢ هـ (١١٨٦ م)، فسأله أهلها الأمان، فمنحهم إياه، ولكن ما كاد عسكره يدخل إليها، حتى نهبوا سائر ما فيها، وهتكوا الحرمات، وفر من استطاع منهم إلى تونس، ونزلوا بين أسوارها، فأهلكهم البرد خلال فصل الشتاء، وبلغ من هلك على قول الرواية اثنا عشر ألفاً (١).

وتوالت أنباء هذه الحوادث الإفريقية المزعجة على الخليفة أبي يوسف يعقوب المنصور فأهمته، وأدرك مبلغ خطورتها، وبعث إليه أخوه السيد أبو عبد الله الذي كان قد حل مكان السيد أبي زيد في ولاية إفريقية من تونس، يستغيث به ويستنفره إلى تدارك الأمر بعد أن بلغ الخطر أقصاه، وظهر عجز القوات الموحدية القليلة، وأضحت سيادة الموحدين في إفريقية على وشك الانهيار، فاتخذ الخليفة أهبته للحركة إلى إفريقية، وبدأ بالتحرك إلى تينملل، حيث زار قبر المهدي، جرياً على تقليدهم المأثور، في التيمن بزيارته، عند الملمات والحوادث الجسام، ثم عاد إلى مراكش، وجهز جيشاً مختاراً من الموحدين قوامه عشرون ألف فارس، وغادر الحضرة في قواته عقب عيد الفطر في الثالث من شوال سنة ٥٨٢ هـ (١٧ ديسمير ١١٨٦ م) مستخلفاً عليها أكبر أعمامه السيد أبا الحسن، ومسنداً إليه في نفس الوقت الإشراف على تكملة الأعمال الخاصة بضاحية الصالحة، وتابع الخليفة سيره دون توقف حتى رباط الفتح، وهنالك وافاه ولاة الأندلس والمغرب، فألقى إليهم بتعليماته وتوجيهاته. وكان من الأمور الظاهرة في تجهيز هذه الحملة الموحدية، أن الخليفة لم يصطحب معه في جيشه كتائب العرب إلا قلّة من أشياخ بني رياح مثل بني زيان وذلك تحوطاً من تقلباتهم


(١) رحلة التجاني عن ابن شداد ص ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>