للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سار منهم عبد الله في بعض صحبه، وركب البحر إلى صقلية، وهنالك زوده النصارى ببعض السفن فسار إلى ميورقة، والتف حوله جمع من أهل الجزيرة واستطاع أن يدخل ميورقة باستمالة بعض أعيانها، وأن ينزع الولاية لنفسه، وقبض على أخيه محمد، وبعث منفياً إلى الأندلس. فالتجأ هنالك إلى الموحدين فولوه على مدينة دانية، واستقر عبد الله في ولاية الجزائر دون منازع. وعاد الخليفة المنصور فبعث أسطوله إلى الجزائر بقيادة أبي العلاء بن جامع، ثم أرسله مرة أخرى بقيادة الشيخ إبراهيم الهزرجي، فقاوم عبد الله أشد مقاومة، وقتل كثير من الموحدين، ولم ينالوا مأرباً من ميورقة، ولكنهم استطاعوا الاستيلاء، على جزيرتي يابسة ومنورقة، وكان ذلك في سنة ٥٨٣ هـ (١١٨٧ م). واستردت الجزائر في عهد عبد الله قوتها ورخاءها، واستمر في رياستها أعواماً طويلة، وهو يعاود الغزوات البحرية للشواطىء النصرانية القريبة، حتى كان افتتاح الموحدين للجزائر في سنة ٥٩٩ هـ (١٢٠٣ م) على ما نذكر بعد (١).

- ٣ -

عظم أمر علي بن غانية بأنحاء إفريقية الجنوبية والوسطى، ولاسيما مذ تقاطرت طوائف العرب من بني هلال وجشم وبني رياح والأثبج إلى لوائه. وعقد التحالف بينه وبن قراقوش الأرمني وأجناده الترك الوافدين من مصر، وبسط سلطانه على سائر أنحاء إفريقية، ولم يبق بيد الموحدين منها سوى المهدية وتونس، ودعا علي للخلافة العباسية حسبما أسلفنا، وتلقب بأمير المسلمين جرياً على ما كان عليه أمراء الدولة المرابطية (٢) وبعث ولده عبد المؤمن إلى الخليفة الناصر بن المستضىء ببغداد ليطلب إليه المدد والرعاية، فعقد له الخليفة على سائر ما يملكه، وبعث ديوان الخليفة صحبة عبد المؤمن إلى مصر، خطاب الخليفة إلى الملك الناصر صلاح الدين باعتباره نائب الخليفة بمصر والشام، فكتب له صلاح الدين كتابه إلى مملوكه قراقوش، بالعمل المشترك على تأييد الدعوة العباسية (٣)، وكانت


(١) المراكشي في المعجب ص ١٥٥ و ١٥٦، والبيان المغرب القسم الثالث ص ١٥٧، وابن خلدون ج ٦ ص ١٩٤، وابن الأثير ج ١١ ص ١٩٦.
(٢) ابن الأثير ج ١١ ص ١٩٦.
(٣) ابن خلدون ج ٦ ص ١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>