للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في يوم جمعة، وفي وقت الصلاة، حينما شغل معظم الناس بأداء الصلاة في المسجد الجامع، وغيره من المساجد. فأخرج المتآمرون علياً الربرتير من سجنه، ووثبوا إلى مخازن السلاح، فاستولوا على ما فيها، ثم حاصروا القصبة، وقتلوا من بها من الجند المرابطين، وتحصن الربرتير وأنصاره بالقصبة، فحاصرهم جمهور من أهل ميورقة. وضربوا القصبة بالمجانيق وأرسلوا على من بها وابلا من الحجارة والسهام. فأتى الربرتير من داخل القصبة، بأهل علي بن غانية، وفيهم أمه وأبناؤه، ووضعهم فوق الأسوار، ليرغم المحاصرين على الكف عن ضرب القصبة، فعندئذ هدأت الأمور، واضطر أهل البلد إلى المفاوضة، وتبادل العهود (١).

وعلى أثر ذلك استدعى محمد بن إسحاق بن غانية حاكم الجزائر السابق، وكان قد خلعه إخوته، حينما اعترف بطاعة الموحدين عند مقدم الربرتير إلى ميورقة، واعتقل في أقصى الجزيرة، واتفق على إعادة تنصيبه والياً للجزائر، ونزل الربرتير عن القصبة والسلطة، وأعلن طاعة الموحدين، وخطب للخليفة الموحدي، وجمع الربرتير من الأموال والذخائر ما استطاع، وصرح المرتزقة النصارى بأموالهم وأهلهم إلى بلادهم. ثم غادر الجزائر عائداً إلى المغرب، وقصد إلى حضرة مراكش. ووقع ذلك في أوائل سنة ٥٨١ هـ (١١٨٥ م).

وفي رواية أخرى أن محمداً بن إسحاق غادر ميورقة مع الربرتير ولحق بالحضرة،

ليقدم طاعته بنفسه إلى الخليفة (٢). وهكذا حكم محمد بن إسحاق ميورقة في ظل طاعة الموحدين الإسمية. ولما حاول الخليفة يعقوب المنصور بعد ذلك أن يجعل من هذه الطاعة حقيقة واقعة، بتملك ميورقة، وأرسل لهذه الغاية إليها أسطولا بقيادة أبي العلاء بن جامع، أبي محمد أن يستجيب إليه، واستغاث بملك أراجون فأمده بالجند، ولم يستطع الموحدون تنفيذ مشروعهم. ومن جهة أخرى، فإن الهدوء لم يستمر طويلا بالجزائر، ذلك أن أهل ميورقة ثاروا على محمد لخضوعه للموحدين، ورفعوا إلى الولاية أخاه تاشفين. وفي رواية أخرى أنه لما وقف علي بن إسحق بن غانية وإخوته وهم بإفريقية، على ما حدث في ميورقة،


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٥٥ و ١٥٦. وراجع:
Campaner y Fuertes: ibid, p. ١٤٨ et suiv. وكذلك A. Bel: ibid ; p. ٦٨ & ٦٦
(٢) البيان المغرب ص ١٥٦، وابن خلدون ج ٦ ص ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>