للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت زويلة مقر ملكهم، وخطب فيها أيضاً لصلاح الدين وابن أخيه.

وقوى أمر قراقوش تباعاً، فسار إلى طرابلس، والتف حوله العرب من بني دباب ونهضوا معه إلى جبل نفوسة، فاستولى عليه، واستخلص منه أموالا عظيمة فرقها في حلفائه العرب، ثم وفد إليه مسعود بن زمام أمير بني رياح، وكان من الخارجين على بني عبد المؤمن فانضم إليه بقواته، وضرب قراقوش بقواته المشتركة الحصار حول طرابلس، وكانت خالية من الأجناد والأقوات، فاستولى عليها بأيسر أمر، وذاع صيته واشتد ساعده، وهرعت طوائف العرب من كل فج إلى لوائه. وملك قراقوش كثيراً من أنحاء إفريقية المجاورة، وتضخمت موارده وقواته، ومعظمها من العرب الذين عاثوا فساداً في تلك الأنحاء " بما جبلت عليه من التخريب والنهب والإفساد، بقطع الأشجار والثمار وغير ذلك " وأخذت نفسه تحدثه بالاستيلاء على سائر إفريقية (١).

- ٢ -

وفي ذلك الحين حدثت بميورقة حوادث هامة. وكان من الطبيعي بعد أن خلت الجزيرة من معظم الجند والقادة، منذ رحيلهم تحت إمرة عاهلهم على ابن غانية إلى إفريقية، واستولى الموحدون على سفن الأسطول الميورقي في مياه بجاية، أن تتخذ الأحداث بالجزيرة وجهة جديدة. وكان رسول الخليفة الموحدي علي الربرتير منذ اعتقل بالجزيرة، يرقب الفرص لكي يتحرر من معتقله، وليقوم في نفس الوقت بضربة تحقق الغاية من رسالته. وألفى على فرصته في الاتصال بالجند المرتزقة النصارى من حراس معتقله ومن إليهم من أبناء ملتهم، وكان معظمهم يرومون مغادرة الجزيرة إلى أوطانهم، فوعدهم علي بأنهم متى عاونوه على تحقيق غرضه، فإنه يعمل على تسريحهم في أهلهم وأولادهم إلى أوطانهم.

وكانت أرومة الربرتير وأصله النصراني، مما يحببه إلى نفوس أولئك الجند النصارى ويجعله موضع ثقتهم وأملهم. والظاهر أيضاً أن الربرتير استطاع أن يجذب إلى جانبه بعض أعيان المدينة من أنصار محمد بن غانية المعزول وخصوم أخيه علي.

وهكذا دُبرت مؤامرة قوامها الجند النصارى لخلع والي الجزائر القائم وهو طلحة ابن إسحاق بن غانية، وإعادة أخيه محمد المعزول، ونفذ المتآمرون مشروعهم


(١) ابن الأثير ج ١١ ص ١٤٦، ورحلة التجاني ص ١١١ - ١١٣، وابن خلدون ج ٦ ص ١٩١ و ١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>