للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنضوائها تحت لواء الموحدين، ما تزال مسرحاً لمختلف الدسائس والتيارات، وولاؤها للموحدين غير ثابت، ولا مستقر، ومن ثم فإنه ما كاد الميورقي يزحف عليها بقواته ويضرب حولها الحصار، حتى بادر أهل المدينة بإخراج الموحدين منها، وتسليمها إلى الميورقي، فوضع بها حامية من جنده المرابطين وحلفائه الجند الأتراك، وجدد تحصيناتها، وكان ذلك أيضاً في سنة ٥٨٢ هـ (١١٨٦ م).

وهكذا سيطر علي بن إسحاق بن غانية الميورقي على معظم إفريقية، وقطع بها خطبة الموحدين، ودعا لطاعة الخليفة العباسي، الناصر لدين الله، وأرسل إليه في طلب المراسيم والخلع والأعلام السود. وكان مما يزيد في خطورة هذا الموقف بالنسبة للموحدين، أن الميورقي استطاع أن يستميل إلى جانبه كثيراً من طوائف العرب من سُليم ورياح وغيرهم، واستطاع من جهة أخرى أن يعقد الحلف مع قراقوش الأرمني مملوك الأيوبيين وجنده الترك، وكانوا قد نزحوا من مصر إلى المغرب واستولوا على طرابلس، وبسطوا سلطانهم على كثير من أطراف إفريقية الشرقية (١).

ويجب أن نشير بهذه المناسبة إلى الظروف التي وقع فيها نزوح أولئك الجند الترك إلى هذه الأنحاء من إفريقية. وذلك أنه لما تم استيلاء الملك الناصر صلاح الدين ابن أيوب على مصر، على أثر وفاة الخليفة العاضد، آخر خلفاء الدولة الفاطمية، ووقعت الوحشة من أجل ذلك بينه وبين سيده القديم السلطان نور الدين، فكر بعض أمراء بني أيوب، أن ينزحوا، إذا ما تغلب عليهم نور الدين، إلى بعض الجهات النائية المأمونة مثل اليمن أو المغرب. واتجه نحو المغرب بالأخص تقي الدين عمر بن شاهنشاه أخو صلاح الدين. ولكنه عدل عن مشروعه لما رأى ما يكتنفه من الصعاب والمخاطر، ففكر اثنان من أولياء بني أيوب، هما شرف الدين قراقوش الأرمني مملوك تقي الدين (وهو غير بهاء الدين قراقوش وزير صلاح الدين فيما بعد) وإبراهيم بن قراتكين المعظمي، نسبة إلى الملك المعظم شمس الدولة أخي صلاح الدين، في تنفيذ المشروع، وفرا في طائفة كبيرة من الجند الترك، وسارا صوب المغرب، ثم افترقا ليسعى كل منهما إلى مصيره فسار قراقوش إلى قلب ولاية طرابلس، وافتتح سنترية وأوجلة، ودعا للسلطان صلاح الدين، وابن أخيه تقي الدين عمر، ثم سار إلى فزان فافتتحها، وقضى على دولة الهواريين القائمة بها


(١) ابن الأثير ج ١١ ص ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>