للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقل المنصور محلته بعيداً عن مسرح المذبحة، وأمر بهدم أسوار قفصة فهدمت

على الأثر. وكان الاستيلاء على قفصة فيما يرجح في أوائل ذي القعدة سنة ٥٨٣ هـ (يناير سنة ١١٨٧ م) وليس في شعبان حسبما يقول صاحب البيان المغرب، إذ كانت موقعة الحمّة في التاسع من شعبان، ثم كان بعدها الاستيلاء على قابس وسائر قواعد بلاد الجريد، ثم حصار قفصة، وقد اقتضى وحده مجهودات متعاقبة، وليس من المعقول أن تقع هذه الأحداث كلها في أسبوعين أو ثلاثة. ومن جهة أخرى فإن الخليفة يؤرخ رسالته التي وجهها من قفصة إلى الطلبة والأشياخ والأعيان والكافة بمراكش عن فتح قفصة في الثالث عشر من ذي القعدة سنة ٥٨٣ هـ (١).

ووصل إلى المنصور، يوم حلوله تحت أسوار قفصة، خطاب من قراقوش، يعرب فيه عن خضوعه ورغبته في دخول التوحيد، وأنه على استعداد إذا ما قبلت توبته أن يأتي إلى الموحدين مستنيباً طائعاً. وفي اليوم التالي وصل خطاب مماثل من أبي زيان زعيم الغز، وزميل قراقوش السابق، وهو الذي استقل بحكم طرابلس، يعرب فيه عن انضوائه تحت لواء التوحيد، وأنه قد أظهر دعوة التوحيد بطرابلس ونواحيها (٢).

وكان لهذه الانتصارات الرنانة التي أحرزها المنصور على أعدائه في إفريقية أبعد صدى. وقد أكثر الشعراء بهذه المناسبة من نظم قصائد التهنئة والمديح، فكان مما قاله أبو بكر بن مُجبر في يوم الحمّة قصيدة هذا مطلعها:

أسائلكم لمن جيش لهام ... طلائعه الملائكة الكرام

أتت كتب البشائر عنه تترى ... كما يتحمل الزهر الكمام

ومنها:

لقد برزت إلى هون المنايا ... وجوه كان يحجبها اللثام

وما أغنت قسي الغز عنها ... فليست تدفع القدر السهام

غدوا فوق الجياد وهم شخوص ... وأمسوا بالصعيد وهم رمام


(١) البيان المغرب القسم الثالث ص ١٦٦ - ١٦٨، ورحلة التجاني ص ١٣٨ و ١٣٩، والرسالة الثانية والثلاثون من رسائل موحدية ص ٢٠٤ - ٢٠٨.
(٢) الرسالة الحادية والثلاثون من رسائل موحدية ص ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>