هو الأمير الرضي طوبى لنفس ... يكون لها بعصمته اعتصام
حياة الدين دولته فدامت ... لأمر قد أتيح له الدوام
سلام الله من قرب وبعد ... عليه وحسب ما نزل السلام
وعاد المنصور بعد افتتاح قفصة في قواته إلى تونس. ويقول لنا ابن عذارى إنه دخل تونس في العشرة الأخيرة من شوال سنة ٥٨٣ هـ. ونحن نعتقد تبعاً لما سبق أن أوضحناه عن تاريخ فتح قفصة، أن عودته إلى تونس كانت بعد ذلك بقليل. ومكث المنصور في تونس بضعة أسابيع ينظم الشئون، ويوطد الأحوال بعد ما طرأ عليها من الاضطراب والتزعزع، وعقد لأخيه السيد أبي زيد على ولاية إفريقية. ولما انتهى من ترتيب الشئون، سار إلى المهدية وقد أعلن عزمه على القفول إلى المغرب، وأمر باتخاذ العدة للرحيل، فقضى بها فترة يسيرة، وبعد أن نظر في شئونها، وندب عمالها، غادرها مرتحلا إلى الحضرة، وذلك في المحرم سنة ٥٨٤ هـ (مارس سنة ١١٨٨ م).
فسار تواً إلى تلمسان عن طريق تاهَرْت، حتى وصلها دون توقف أو تلوم. وكانت قد وصلته خلال وجوده بإفريقية أنباء مقلقة عن بعض مؤامرات تُدبر، وعن بعض شخصيات من القرابة تتحفز للتمرد والوثوب. وكان أول من تلقاه بتلمسان عمه السيد أبو إسحق إبراهيم بن عبد المؤمن، وكان قد نُمي إلى الخليفة، أن هذا العم يطعن في آرائه، ويسفه تصرفاته، ولاسيما عقب هزيمة عُمرة، فلما قدم للسلام عليه، رده المنصور بجفاء، وكان مريضاً منذ مدة، فاشتد به المرض ولم يلبث أن توفي.
بيد أنه كان ثمة ما هو أخطر من النقد الصراح. ذلك أنه على أثر هزيمة عُمرة التي مزق فيها الجيش الموحدي وقتل معظم قادته، لاح لبعض السادة أن دولة المنصور قد تصدعت دعائمها، وأضحت على وشك الانهيار، وكان في مقدمة هؤلاء وأشدهم إقداماً وجرأة، أخو الخليفة السيد أبو حفص عمر الملقب بالرشيد والي مرسية، وعمه السيد أبو الربيع سليمان والي تادلا. فأما الأول وهو الرشيد، فقد كان يبسط على ولاية مرسية حكم إرهاب حقيقي، وكان يسوم الناس الخسف، ولاسيما التجار، ويستصفي أموالهم بالإرهاب والقتل، ويستنزف ما في بيوت المال، وكان مما فعله أن قبض على ابن رجاء مشرف مرسية، وألزمه بإحضار تقييدات أبواب الجباية، ولما عجز عن ذلك أمر بقتله