فقتل، وفر ابن سليمان صاحب العمل إلى بلنسية، وكذلك فر منها الكاتب حكم ابن محمد ناجياً بحياته، ولكن الرشيد استدعاه بالخديعة ولين القول، ثم غدر به وقتله، والخلاصة أن الرشيد كان يرهق أهل مرسية، خاصتهم وعامتهم بصنوف بطشه وبغيه. بيد أن الأمر لم يقف عند هذا الحد. ذلك أن الرشيد كان يضمر مشاريع أخرى. فلما وقعت هزيمة عُمرة، اضطربت مخيلته بمختلف الأطماع والمشاريع، وبادر بالاتصال بألفونسو الثامن ملك قشتالة، وعقد معه حلفاً سرياً تسربت أنباؤه إلى الخليفة مع الواصلين من الأندلس. فلما حدثت موقعة الحمّة، وأحرز المنصور نصره الساحق على ابن غانية وحلفائه، أدرك الرشيد أنه توغل في أوهامه، وارتد إلى شىء من التعقل والتريث، ولم يلبث أن وصله أمر أخيه الخليفة بالاستدعاء إلى حضرة مراكش، فسار إليها وهو معتمد على عطف أخيه وصفحه وإغضائه، وتنفس على أثر رحيله مخنق أهل مرسية.
وأما السيد أبو الربيع عم الخليفة، فقد كان ممن عارض في توليته وتخلف عن مبايعته منذ البداية، وكان حين وقعت حوادث إفريقية يتولى النظر على إقليم تادلا الواقع على مقربة من شمال شرقي مراكش، فلما وقعت نكبة الجيش الموحدي بعُمرة، أخذ السيد أبو الربيع في مفاوضة بعض قبائل صَنهاجة القريبة لمعاونته على الثورة، والقيام بأمرها، فلم تنجح محاولته، وأعرضت تلك القبائل عن مساومته.
وسار إليه في نفس الوقت السيد أبو زكريا يحيى بن السيد أبي حفص في سرية كبيرة من الموحدين، فأحاطت بقاعدة تادلا وحالت بين السيد أبي ربيع وبين أية حركة أو نشاط يخشى منه، ولم يجد السيد أمامه سبيلا سوى التوبة والاستسلام، فأمر بالذهاب لمقابلة الخليفة، وكان الخليفة في طريقه إلى الحضرة، فقصد إليه في محلته على مقربة من مكناسة، ووصل السيد أبو حفص عمر الرشيد في نفس الوقت قادماً من الأندلس، فأمر الخليفة بنزوله مع نفر من صحبه وحاشيته على انفراد. ثم أمر بالقبض على السيدين أخيه وعمه، وبعث بهما مكبولين إلى رباط الفتح، واعتقلهما بالقصبة، حتى يصدر في شأنهما أمره. ولما وصل الخليفة إلى مراكش، وانتهت مراسيم التحية، واستقبال الوفود، بحث مع السيد أبي الحسن، نائبه بمراكش، ومع أشياخ الموحدين، أمر السيدين المذنبين، وذلك على ضوء ما صدر منهما من محاولات في الخروج والثورة، وهو ما يستوجب إعدامهما شرعاً، وانتهى الأمر بتقرير إعدامهما، وبعث الخليفة إلى عثمان