للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يكن ثمة شك في أن نكبة شنترين، وما ظهر خلالها من عجز الجيوش الموحدية الجرارة، واختلال نظامها، كان له أكبر الأثر في إذكاء أطماع ملك البرتغال ألفونسو هنريكيز (ابن الرنق) في انتزاع ما تبقى من ولاية الغرب الأندلسية، وفي مضاعفة شهوة العدوان والتغلب، في نفسه الوثابة المضطرمة. ولكن ألفونسو هنريكيز لم يعش طويلا ليقوم بنفسه بتحقيق هذه الأطماع العريضة، إذ توفي في السادس من شهر ديسمبر سنة ١١٨٥ م (أواخر سنة ٥٨١ هـ)، بعد أن حكم مملكة البرتغال زهاء نصف قرن، وبعد أن وطد أركانها، ووسع حدودها شرقاً وجنوباً على حساب الأراضي الإسلامية، وكانت وفاته لنحو عام ونصف فقط من وفاة الخليفة أبي يعقوب يوسف عقب نكبة شنترين. فخلفه ولده سانشو الأول، وهو يضطرم بمثل أطماعه، وقضى أعوام حكمه الأولى في العمل على إصلاح البلاد والحصون التي خربتها الحرب، وتعميرها بالسكان. ومنذ بداية سنة ١١٨٩ م (٥٨٥ هـ) نراه يعد العدة لاستئناف غزو الأراضي الإسلامية.

وكانت كل الظروف تشجعه، وتعضد مشاريعه. فقد كان الخليفة الموحدي، بعيداً في المغرب تشغله أحداث إفريقية، ومغامرات بني غانية، ومؤامرات الخوارج عليه، وكانت هذه الأحداث المحلية الخطيرة تجعل من المتعذر على الخليفة الموحدي، أن يبعث بشىء من حشوده إلى شبه الجزيرة، وكانت القوات الموحدية بالأندلس قليلة العدد والعُدد، لا تكفى لدفع عدوان النصارى سواء من ناحية مملكة قشتالة أو مملكة البرتغال. ومن جهة أخرى، فقد كانت الظروف تهيىء لنصارى البرتغال أمداداً طارئة لم تكن في الحسبان، هي الأمداد الصليبية، التي عادت تتقاطر إلى المشرق من ناحية المحيط، لتنجد الجيوش الصليبية التي ضعضعتها ضربات صلاح الدين، وسقوط المملكة اللاتينية، باسترداد صلاح الدين لبيت المقدس في رجب سنة ٥٨٣ هـ (أكتوبر سنة ١١٨٧ م).

ففي أوائل سنة ١١٨٩ م (أوائل ٥٨٥ هـ)، وصل أسطول صليبي ضخم من خمسين سفينة، يحمل عدداً وافراً من الجند الألمان والفلمنك إلى مياه إسبانيا الغربية في طريقه إلى البحر المتوسط، ورسا في مياه جليقية قبالة مدينة شنت ياقب المقدسة، ونزلت منه بعض طوائف من الجند لتزور قبر القديس ياقب، ولكن أهل المدينة توجسوا شراً من مقدم أولئك الجند، وخشوا أن تمتد أيديهم إلى الذخائر التي يحفل بها مزار هذا القديس، فردوهم بعد معركة عنيفة، قتل فيها عدد من

<<  <  ج: ص:  >  >>