للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحيطة بها، ونصبت حول أسوارها المجانيق، وأخذت تضربها بشدة. واستمر الحصار والضرب حتى يوم الأربعاء الخامس عشر من جمادى، ففي فجر تلك الليلة، كان الموحدون ساهرين يرقبون الفرص. وكان الحراس وأهل المدينة، قد غلب عليهم التعب والنوم، ولم يتوقعوا أن يقوم الموحدون بأية محاولة في مثل هذه الفترة. ولكن الموحدين بالعكس، لما رأوا إغفاء أهل المدينة، تقدم أحد أدلائهم من السور، ووثب إلى ثلمة فيه، وتبعه جماعة من الأنجاد، فرفعوا الرايات على السور، وضربت الطبول، وضج الجند بالتهليل والتكبير، واقتحم الموحدون المدينة، فلم يستيقظ أهلها، إلا وقد سيطر عليها الفاتحون، يثخنون فيهم قتلا وجرحاً، فبادروا بطلب التسليم والأمان، فضرب لهم المنصور أجلا قدره عشرة أيام لإخلاء المدينة، وخرج النصارى من قصبة شلب في يوم الخميس الخامس والعشرين من جمادى الثانية (٢٣ يوليه سنة ١١٩١ م) ودخلها الموحدون في الحال، وعادت شلب بذلك إلى قبضة الإسلام، بعد أن لبثت في أيدي البرتغاليين، منذ سقوطها في رجب سنة ٥٨٥ هـ، زهاء عامين (١). وقدم المنصور على ولايتها ابن وزير (٢).

تلك هي الرواية الإسلامية عن استرداد شلب. أما الرواية النصرانية، فلا تقدم إلينا شيئاً من تلك التفاصيل، بل تكتفي بالقول بأن الموحدين نصبوا المجانيق حول المدينة، وأخذوا في ضربها بالنهار والليل دون هوادة، حتى اضطر أهلها إلى التسليم، وخرجوا منها بأنفسهم وأمتعتهم.

ولبث المنصور ثلاثة أيام أخرى في ظاهر شلب، ثم غادرها في قواته يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من جمادى الثانية، بعد أن أنفق في غزوته زهاء ثلاثة أشهر، فوصل إلى إشبيلية في الرابع من شهر رجب سنة ٥٨٧ هـ (٢٨ يوليه سنة ١١٩١ م).

وأنفق المنصور في إشبيلية شهرين آخرين، عنى خلالهما بتنظيم شئون الأندلس واختيار أكفاء القادة لرياسة الثغور، أو بعبارة أخرى مدن الحدود وحصونها، وشحنها بصفوة الجند، وتعيين بعض قرابته لولاية المدن الشاغرة من الولاة.


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٨٥ و ١٨٦.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>