للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجانيق تضرب المدينة بشدة، فلما تفاقم الأمر، ووصل هجوم الموحدين إلى ذروة عنفه وروعته، بادر أهل المدينة بطلب الأمان، ونزلوا من المدينة مستسلمين فحملوا في المراكب، وبعثوا إلى إشبيلية ليكونوا هنالك عنوان الفتح، واستولى الموحدون على المدينة، وشرع المنصور في النظر في شئون الحصن وأحواله، وأمر بإصلاحه وشحنه بالمقاتلة الأنجاد من الموحدين، ورتب لهم من المؤن والمواد رواتب شهرية وسنوية، في مخازن إشبيلية وسبتة، وندب لولاية الحصن المذكور أبا بكر محمد بن وزير وهو ابن أبي محمد سيدراي بن وزير زعيم الغرب السابق، أيام ثورة ابن قسيّ، وكان حاكم الحصن من قبل، قبل أن يسقط في أيدي البرتغاليين في سنة ٥٥٥ هـ (١١٦٠ م) (١).

وسار الموحدون بعد ذلك إلى حصن قلماله (٢)، وكان أمنع حصون هذه المنطقة، وبه حامية قوية، ولكنهم أيقنوا باستحالة المقاومة، وعرضوا التسليم في الحال، والجلاء عن الحصن، فاستجاب المنصور لرغبتهم، وأخلى سبيلهم، فساروا آمنين إلى بلادهم، ونهب الموحدون سائر ما في الحصن من الأثاث والأقوات والسلاح. ثم أمر المنصور بهدمه، فهدم حتى محيت آثاره. وزحف الموحدون على حصن المعدن (٣) القريب، فاستولوا عليه، وأمر المنصور كذلك بهدمه، فهدم حتى صار أثراً بعد عين.

وتقول الرواية النصرانية في شأن هذه الحصون، إن أهل الحصون المجاورة، وهي حصون قلماله، وكوبنا والمعدن، لما رأوا سقوط حصن القصر بالرغم من مناعته بهذه السرعة، بادروا بإخلاء حصونهم، وفروا في مختلف الأنحاء، ولما أشرف الموحدون عليها، أمر المنصور بهدمها، فهدمت حتى سويت بالأرض (٤).

ثم اتجه الموحدون بعد ذلك جنوباً إلى المقصد الرئيسي في هذه الغزوة، وهو مدينة شلب. فوصلوا إليها في يوم الخميس الثاني من جمادى الآخرة (٢٧ يونيه سنة ١١٩١ م). وفي الحال طوقها الموحدون بقوات كثيفة، وردمت الخنادق


(١) البيان المغرب ص ١٨٥.
(٢) حصن قلماله، وهو بالبرتغالية Palmela.
(٣) حصن المعدن هو بالبرتغالية Almada.
(٤) Huici Miranda: ibid ; (cit. Cronica de Sancho I, p. ٥٣٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>