الكتب والدلائل نصت على خبره، وعظم أمره، وذاع ذكره، وكثر عدوانه في تلك المناطق، وتوالت على الخليفة المنصور أنباؤه، فبعث إلى السيد أبي زكريا والي بجاية، بأن يبذل كل ما في وسعه للقبض على هذا الزعيم الثائر، فخرج السيد أبو زكريا في عسكره من بجاية، وهو يتحسس أخبار الأشل، ويتقصى آثاره. ولما توغل بعيداً في الصحراء، اجتمعت طوائف من عرب البوادي ليحاولوا مهاجمته، وانتهاب محلته، ولكنه استطاع أن يجتنب اعتداءهم طوراً بلين القول وطوراً بالوعيد وإظهار القوة، وأنفذ السيد رهطاً من رجاله، يتحسسون أخبار الثائر ومكان وجوده، وحاول في نفس الوقت أن يغري بعض الأعراب بالصلات والوعود ليكشفوا له مكان وجوده، ولكنه لم يظفر منهم بطائل، ثم عاد إليه رسله الثقاة، وأخبره بعضهم بمكان وجود الثائر، وأنه يتصدر مجلس الزعامة وهو في ثياب فاخرة، وعلى رأسه عمامة خضراء، وبين يديه سيف مُحلّى، وقد التف حوله لفيف من شيعته وهو يحدثهم بلسان حضري. وعندئذ حاول السيد مرة أخرى أن يحمل بعض الأعراب على إرشاده عن هذا المكان، وهو يبذل لهم أطيب الوعود. ولكن الأعراب عقدوا العزم على مخادعته وغدره. ثم سار السيد في قواته ميمماً شطر قلعة بني حماد، وهي من أعمال بجاية، ودخلها بعسكره.
وهنالك وفد عليه الزعماء العرب يطالبونه بإنجاز وعوده، فاحتفل بهم وقدم لهم الطعام. فلما استقروا داخل القلعة، أغلقت أبوابها، وأمر السيد بالقبض على جملة من أولادهم، ثم استدعى آباءهم ورؤساء العشائر منهم، وأقسم لهم بأوثق الأيمان أنه لن يحل وثاقهم، ولن يطلق سراحهم إلا بإحضار الأشل أو رأسه، أو يحمل رؤوسهم مكان رأس الأشل إلى الخليفة المنصور. فأبدى العرب أنهم لا يستطيعون الغدر بمن لجأ إليهم، واحتمى بجوارهم، ولو قتلوا جميعاً. وعندئذ تدخلت أمهات الأبناء المعتقلين، وصاحوا كيف نضحي بأبنائنا في سبيل شقي منافق، وعندئذ نشب الخلاف بين الأمهات والآباء، وذاع الخبر في مختلف الأحياء، ووقف الأشل على ما حدث فأراد الفرار اتقاء الغدر، ولكن رهطاً من عشائر المعتقلين بادروه بالهجوم، وقبضوا عليه وعلى وزيره وحملوهما إلى القلعة، فغمرهم السيد بإحسانه وصلاته، وأخلى سبيل المعتقلين، وأمر بإعدام الثائر وصاحبه، وحملت رأسه إلى بجاية، وعلقت على بابها مع ذراعه وعضده، وأخمدت بذلك ثورته في مهدها (١).