للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما تواترت على المنصور خلال سنة ٥٩٠ هـ (١١٩٤ م) تلك الأنباء المقلقة عن حوادث إفريقية، وتوالت عليه كتب واليها الشيخ أبي سعيد بن أبي حفص عن استفحال أمر بني غانية، وتفاقم غارات العرب واشتداد عيثهم، اعتزم أن يسير إلى إفريقية لمعالجة الأمور بنفسه، فغادر مراكش إلى رباط الفتح، ليقوم هنالك بإعداد الحملة المرغوبة، وبعث بكتبه إلى ولاة الأندلس بالحضور لتلقي تعليماته فلما وفدوا عليه بالرباط قرروا أن الهدنة التي عقدت مع ملك قشتالة في سنة ٥٨٦ هـ (١١٩٠ م) عقب جوازه السابق إلى الأندلس، قد انتهى أجلها، وأنه أي ملك قشتالة قد بعث إلى جميع الثغور الإسلامية الواقعة على حدودها ينذرها بذلك، وأنه اعتماداً على انشغال الخليفة بحوادث إفريقية، وباستعداده للحركة إليها، قد بعث أقماطه وقادته إلى مختلف أنحاء الأندلس يغيرون عليها، ويثخنون فيها، حتى بلغت غاراتهم أحواز إشبيلية (١). فصرف المنصور ولاة الأندلس، وغادر رباط الفتح إلى مكناسة، وهو على عزمه أن يسير إلى إفريقية. ولكن توالت عليه عندئذ كتب أهل الأندلس، وقادة الثغور فيها، باشتداد وطأة العدو، وتفاقم غاراته. وكان ألفونسو الثامن ملك قشتالة، قد بعث مطران طليطلة مارتن لوبث في حملة تخريبية محضة إلى أراضي الأندلس، عاثت فيها أشد عيث، واستولت على كثير من الغنائم والماشية. فرفعت هذه المخاطبات والأنباء كلها إلى المنصور، وهو في مكناسة يستعد للسير إلى إفريقية فأقلقته وأهمته، ورأى عندئذ أن يُعدل خطة سيره، فأمر بأن تُبعث الأمداد إلى ولاة إفريقية، وأن تعد العدة للسير إلى الأندلس، فاشتدت الحركة عندئذ، وأقبلت الحشود من كل صوب، وكانت رغبة المجاهدين في العبور إلى الأندلس أشد لقربها، وتيسير المؤن والأقوات بها (٢).

تلك هي البواعث والظروف التي أملت على المنصور عزمه على العبور إلى الأندلس للمرة الثانية. ولكن توجد ثمة رواية أخرى خلاصتها أن ملك قشتالة،


(١) وتوجد ثمة رواية أخرى خلاصتها أن ملك قشتالة كان قد بعث إلى المنصور، وهو يتأهب لغزو إفريقية، رسوله يطلب تجديد الهدنة، وهو يضمر الكيد، فلما وصلت أنباء الغارات التي قام بها القشتاليون في أراضي الأندلس، والرسول في محلة المنصور، أمر المنصور بطرده وتجهيزه إلى البحر (أورد هذه الرواية خلال حديثه عن موقعة الأرك أبو الحسن حازم القرطاجنى في كتابه (مخطوط المتحف البريطاني ص ١٥٢).
(٢) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٩١ و ١٩٢، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>