للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أثر انقضاء الهدنة التي كانت معقودة بينه وبين الموحدين، غزا أراضي الأندلس، وتوغل في غاراته حتى الجزيرة الخضراء. وهناك وجه إلى الخليفة المنصور كتاباً من إنشاء وزيره اليهودى ابن الفخار، يتحداه فيه بأسلوب يفيض غروراً ووقاحة، أن يأتي لقتاله، فإن جبُن أو عجز، فليرسل إليه السفن ليجوز فيها إليه، ويقاتله في أعز مكان لديه، وأن المنصور غضب لذلك، واستنفر الناس للجهاد، وكانت حركته الثانية إلى الأندلس (١). على أنه يبدو من نص هذا الخطاب، ومن تحدثه عن " تواكل رؤساء الأندلس، وإخلادهم إلى الراحة " أنه يمكن بطريقة أرجح نسبته إلى ألفونسو السادس ملك قشتالة، وأنه كان موجهاً إلى يوسف بن تاشفين، وليس إلى الخليفة الموحدي.

وفي أوائل سنة ٥٩١ هـ (١١٩٤ م) كانت أهبات الحملة الموحدية، قد تقدمت تقدماً كبيراً، واجتمعت الحشود من سائر بلاد المغرب والقبلة. وفي يوم الخميس الثامن عشر من جمادى الأولى من السنة المذكورة، خرج الخليفة يعقوب المنصور من حضرة مراكش، والجيوش تتلاحق في أثره من سائر النواحي، وسار تواً إلى قصر المجاز (القصر الصغير)، وهنالك عنى بتنظيم تموين الجيوش، ثم بدأ الجواز، فكان أول من جاز البحر قبائل العرب ثم قبائل زناتة، ثم المصامدة، فغمارة، فالجيوش المطوعة، ثم الموحدون، فالعبيد، ولما تم جواز الجيوش على هذا النحو واستقرت بأراضي الجزيرة الخضراء، عبر الخليفة المنصور البحر في جمع كبير من أشياخ الموحدين والزعماء والفقهاء، والعلماء، وكان عبوره إلى طريف (٢) في يوم الخميس عشرين من جمادى الآخرة سنة ٥٩١ هـ (أول يونيه سنة ١١٩٥ م).

وأقام المنصور بطريف يوماً واحداً، ثم استأنف سيره إلى إشبيلية، ولقيه في الطريق والي إشبيلية السيد يعقوب بن أبي حفص وجماعة من أعيانها، ثم تقدمه ليعد له أسباب النزول في الحضرة الأندلسية، ونزل الخليفة بقصر البحيرة خارج باب جَهور، وهرع أهل الحاضرة للسلام عليه، وعهد الخليفة إلى أبي بكر


(١) راجع ابن الأثير ج ١٢ ص ٤٤، وابن خلكان في الوفيات ج ٢ ص ٤٢٥، وروض القرطاس ص ١٤٥، والنويري طبعة ريميرو في مجلة ( Revista del Centro de ج ٨ ص ٢٧٣ Estudios Historicos T. VIII ano ١٩١٩ p. ٢١٨)
(٢) البيان المغرب القسم الثالث ص ١٩٢، وفي روض القرطاس أنه عبر إلى الجزيرة
الخضراء (ص ١٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>