ابن زُهر وزملائه أشياخ المدينة، بإنزال الأشياخ والأكابر في الدور المعدة لنزولهم، وبعد الظهر أذن بدخول السادات للسلام عليه، وكان ذلك يوم الخميس السابع والعشرين من جمادى الثانية. وفي الغد ركب الخليفة إلى حصن الفرج الذي كان قد أمر بإنشائه خارج إشبيلية، وأعجب بمنعته وحسن روائه. ثم عاد فزار المسجد الجامع. وفي يوم السبت أمر بإجراء التمييز، فانتظم سائر الجند بالزي الفاخر، والعدد الكاملة، وركب الخليفة ومعه من حضر من الأبناء، والقرابة والوزراء، واستعرض الجند صفاً صفاً، وقبيلا قبيلا، ثم أخرجت الرواتب والبركات، ووزعت على سائر الحشود (١).
وأنفق المنصور في إشبيلية أسبوعين وهو يستكمل أهباته، ويضع خططه في أناة وروية، وفي صبيحة يوم الخميس الحادي عشر من رجب (٢٢ يونيه) غادر إشبيلية قاصداً إلى قرطبة، مخترقاً طريق نهر الوادي الكبير فوصل إليها يوم الجمعة التاسع عشر منه، واستراح بها ثلاثة أيام. ثم خرج منها من باب مورادال في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين منه، وسار في قواته شمالا ميمماً صوب سهول شلبطَرَّة وقلعة رباح.
- ١ -
وكانت أنباء عبور الخليفة الموحدي وجيوشه الزاخرة، قد ترامت أثناء ذلك إلى ملك قشتالة ألفونسو الثامن، فجمع " الكورتيس " في مدينة كريون على عجل وأخذ يتأهب للحرب بكل ما وسع، واستدعى سائر أتباعه من الأمراء والأشراف في قواتهم، وحشد كل ما استطاع من الجند، وبعث إلى زميليه ملكي ليون ونافارا في طلب العون، فوعداه بذلك، وانتظر أياماً بطليطلة حتى وفد أتباعه في حشودهم، ثم غادرها مسرعاً إلى الجنوب، واخترق نهر وادي يانه متجهاً نحو أراضي قلعة رباح، ولم ينتظر مقدم زميله وحليفه ملك ليون، وكان قد وصل في قواته إلى طلبيرة، ولم ينتظر كذلك مقدم قريبه ملك نافارا (نبرّة)، إذ كان واثقاً من رجحان كفة قواته وأهباته، واثقاً من النصر على أعدائه، مهما بلغت قواتهم.
وكان ملك قشتالة قد بدأ قبل ذلك بقليل بإنشاء حصن جديد في المحلة المسماة