للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الميسرة، وجعل المتطوعة والرماة والأغزاز في المقدمة، واحتل هو القلب مع قومه من قبيلة هنتانة. وبقى المنصور في خاصته، وفي جند الموحدين والعبيد في المؤخرة، على أهبة للتدخل في اللحظة الحاسمة (١).

ووقعت قبيل المعركة بقليل في المعسكر الموحدي، مناظر مؤثرة، حيث قام القائد العام الوزير أبو يحيى وصاح بصوت جهوري يقول للناس: إن أمير المؤمنين يطلب إليهم أن يغفروا له، فإن هذا موضع غفران، وأن يتغافروا فيما بينهم، وأن يطيبوا نفوسهم، وأن يخلصوا نياتهم لله، فبكى الناس، وصاحوا من جانبهم بطلب الغفران من الخليفة، وأنهم بيمن نيته وصدق طويته، يرجون الخير من الرحمن. ثم قام القاضي أبو علي بن حجاج، وألقى خطبة بليغة تفيض حماسة وبياناً، في الحث على الجهاد وفضله ومكانته وقدره عند الله، وكان لهذه الحركة آثارها في إنعاش النفوس وتنبيه الضمائر، وتنقية السرائر، وإذكاء العزائم (٢).

ويجدر بنا قبل أن نصف أدوار المعركة، أن نصف البقعة التاريخية، التي وقعت فيها، وقد أتيح لنا زيارتها ودراستها (٣).

إن ميدان معركة الأرك Alarcos، ما زال معروفاً بمواقعه وحدوده، تعينه وتحدده، لا الرواية المتواترة فقط، ولكل تحدده كذلك آثار حصن الأرك الشهير، الذي عرفت باسمه المعركة، والذى تقوم اليوم مكانه، فوق نفس الربوة التي كان يحتلها، كنيسة، أو معبد يسمى " كنيسة القديسة مريم صاحبة الأرك " Sta Maria de Alarcos.

ويقع هذا المكان على قيد نحو ستة كيلومترات من غربي مدينة " ثيوداد ريال " الحديثة، وشمال غربي بلدة " بوبليتي " الصغيرة، وتفضي إليه طريق جبلية معبدة، تخترق في البداية بسيطاً أخضر من الأرض، يفضي غير بعيد إلى مجموعة من الهضاب الصغيرة. وعلى نحو أربعة كيلومترات من هذه الهضاب، تقع ربوة الأرك Alarcos التي تقوم عليها اليوم، فوق أنقاض الحصن القديم كنيسة القديسة مريم، أو سيدة الأرك، وهذه الكنيسة أو المعبد، حسبما يسمى في تلك الناحية Ermita


(١) روض القرطاس ص ١٤٨ و ١٤٩، ونفح الطيب ج ٢ ص ٥٣٧.
(٢) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٩٤.
(٣) كان ذلك في اليوم الثالث والعشرين من أبريل سنة ١٩٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>