للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بغير هذه الوسيلة، وإذا كان العنف والطغيان ثمة في ناحية، ففي الناحية الأخرى يوجد الاضطراب والفوضى " (١).

على أن عبد الرحمن كان إلى جانب هذه الصفات المثيرة، يتمتع بكثير من الخلال الباهرة، وقد أجمل ابن حيان مؤرخ الأندلس خلاله في تلك العبارات القوية، قال: " كان عبد الرحمن راجح الحلم، فاسح العلم، ثاقب الفهم، كثير الحزم، نافذ العزم، بريئاً من العجز، سريع النهضة في طلب الخارجين عليه، متصل الحركة، لا يخلد إلى راحة، ولايسكن إلى دعة، ولا يكل الأمور إلى غيره، تم لاينفرد في إبرامها برأيه، شجاعاً مقداماً، بعيد الغور، شديد الحذر قليل الطمأنينة، بليغاً، مفوهاً، شاعراً، محسناً، سمحاً، سخياً، طلق اللسان " (٢). وهذا التصوير الرائع الذي يقدمه لنا ابن حيان عن خلال تلك الشخصية الممتازة، إنما هو صورة بارزة من صور العظمة والبطولة، توضحها في جملتها، وفي تفاصيلها حياة عبد الرحمن في جميع أدوارها.

ويشبهه ابن حيان أيضا بأبى جعفر المنصور في قوة الشكيمة، ومضاء العزم، وفي القسوة والصرامة والاجتراء على الكبائر (٣).

وإذا كانت هذه الصفات والخلال القوية المثيرة معا، لا تحمل على الحب، فإنها تحمل على الإعجاب بلا ريب. بل إن المتأمل ليشعر بعطف خاص نحو هذه الشخصية الفريدة، ويرجع ذلك بلا ريب إلى تلك الحياة المؤثرة، التي خاض عبد الرحمن غمارها، وتلك المحن الأليمة التي نزلت بأسرته، وتلك الجهود الفادحة التي بذلها لاسترداد حقه وحق أسرته في الحياة والرياسة. وكانت هذه الحياة المؤثرة وما انتهت إليه من النتائج الباهرة، تحمل ألد خصوم عبد الرحمن على احترامه والإعجاب به، حتى لقد سماه أبو جعفر المنصور " صقر قريش " في حديث طريف تنقله إلينا الرواية، وهو أن المنصور قال يوما لبعض أصحابه، " من صقر قريش من الملوك؟ " قالوا: أمير المؤمنين الذي راض الملك وسكن الزلازل وحسم الأدواء. قال ما صنعتم شيئا. قالوا فمعاوية، قال ولا هذا. قالوا


(١) Dozy: Hist.V.I.p. ٢٤٥, ٢٤٨
(٢) نقله نفح الطيب ج ٢ ص ٦٧.
(٣) نفح الطيب ج ١ ص ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>