للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعبد الملك بن مروان، قال لا. قالوا فمن يا أمير المؤمنين؟ قال: صقر قريش عبد الرحمن بن معاوية، الذي تخلص بكيده عن سنن الأسنة وظباة السيوف، يعبر القفر، ويركب البحر، حتى دخل بلدا أعجميا منفردا بنفسه، فمصر الأمصار، وجند الأجناد، ودون الدواوين، وأقام ملكا عظيما بعد انقطاعه، بحسن تدبيره وشدة شكيمته. إن معاوية نهض بمركب حمله عليه عمر وعثمان وذلل له صعبه، وعبد الملك ببيعة أبرم عقدها، وأمر المؤمنين بطلب عزته واجتماع شيعته، عبد الرحمن منفرد بنفسه، مؤيد برأيه، مستصحب لعزمه، وطد الخلافة بالأندلس، وافتتح الثغور وقتل المارقين، وأذل الجبابرة الثائرين (١).

هذا وأما عن شخصه، فقد وُصف عبد الرحمن، بأنه كان مديد القامة، نحيف القوام، أعور، أخشم (٢) له ضفيرتان، أصهب (٣)، خفيف العارضين، له خال في وجهه (٤).

- ٢ -

كانت الأندلس حتى ولاية يوسف بن عبد الرحمن الفهري، ولاية من ولايات الخلافة الأموية. فلما انهار سلطان بني أمية، انفرد يوسف بالأمر، وغدت الأندلس في عهده إمارة مستقلة. وتلقى عبد الرحمن الأموي تراث الإمارة كما خلفه يوسف، ولم ينشئ رغم كونه سليل بني أمية، لنفسه شيئا جديدا من رسوم الملك. وتلقبه الرواية الاسلامية أحياناً بالأمير، وأحيانا بالإمام (٥)، ويلقب أيضا بصاحب الأندلس (٦). ويعرف بعبد الرحمن الداخل لأنه أول من دخل الأندلس من أمراء بني أمية وحكمها، ويعرف أيضا بعبد الرحمن الأول، لأنه أول أمراء ثلاثة من بني أمية بهذا الاسم حكموا الأندلس، هم عبد الرحمن الداخل،


(١) راجع أخبار مجموعة ص ١١٨ و١١٩؛ والبيان المغرب ج ٢ ص ٦١ و٦٢، وبين الروايتين اختلاف يسير في الألفاظ.
(٢) هو الذي فقد حاسة الشم.
(٣) من الصهبة والصهوبة وهي احمرار الشعر.
(٤) نفح الطيب ج ١ ص ١٥٦؛ وابن الأثير ج ٦ ص ٣٧.
(٥) راجع أخبار مجموعة ص ١٠٠ - ١٠٤ حتى نهاية الحديث عن عبد الرحمن، وابن خلدون ج ٤ ص ١٢٢، والبيان المغرب ج ٢ ص ٥١ وما بعدها، وص ٦٠، حيث ينعت عبد الرحمن بالإمام، وكذلك نفح الطيب ج ٢ ص ٧٤، والروض المعطار (القاهرة ١٩٣٧) ص ١٨٦.
(٦) ابن الأثير ج ٦ ص ٣٧، والبيان المغرب ج ٢ ص ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>