للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عظيمة من النصارى، واستطاع ملك قشتالة أن يفر في نحو عشرين فارساً من أصحابه، فسار تحت جنح الليل صوب طليطلة لا يلوي على شىء، واعتصمت معظم فلول النصارى بحصن الأرك (١).

وتفصل لنا الرواية الإسلامية ما حدث بعد هزيمة القشتاليين في الجولة الأولى. ويبدو من أقوال صاحب روض القرطاس، أن ألفونسو الثامن ملك قشتالة، كان عندئذ معتصماً مع باقي قواته بربوة الأرك، فلما ارتد القشتاليون، وفروا نحو الربوة يحاولون الاعتصام بها، حالت بينهم القوات الموحدية، فارتدوا ثانية نحو السهل، فحملت عليهم العرب والمطوعة وهنتانة والأغزاز والرماة، وحصدوهم حصداً، وأفنوهم حسبما تقول الرواية عن آخرهم. ولما علم أمير المؤمنين بما حدث، ضربت الطبول ونشرت الرايات، وفي مقدمتها اللواء الخليفي الأبيض، وزحف المنصور في القوات الموحدية نحو القشتاليين، تؤيده سائر الحشود والقبائل. وكان ملك قشتالة حينما رأى ما حل بقواته، وضرب الطبول، وعجيج الأبواق، قد اعتزم أن يلقى ضد الموحدين بما تبقى من قواته، ولكن القشتاليين حينما رأوا كثافة الجيوش الموحدية، وروعة هجومها واضطرامها عولوا على الفرار، فتلاحقت بهم فرسان الموحدين، تحصدهم قتلا وأسراً، وأحاط المسلمون بحصن الأرك، يظنون أن ألفونسو الثامن قد اعتصم به، ولكن تبين أنه قد لاذ بالفرار من أحد أبوابه الخلفية، فدخل المسلمون الحصن عنوة، وأضرموا النار في أبوابه، واحتووا على جميع ما فيه، وما في محلة النصارى، من الذخائر والأسلاب والسلاح والمتاع والدواب والنساء (٢).

وعلى أي حال، فإنه يبدو من أقوال الرواية الإسلامية، أن القشتاليين هم الذين بدأوا بالهجوم على الموحدين، وتؤيدها في ذلك الرواية النصرانية. وتقدم إلينا الرواية النصرانية عن المعركة، وصفاً موجزاً يختلف قليلا عما تقوله الرواية الإسلامية، وهو أنه لما رأى القشتاليون الموحدين، يتقدمون من محلتهم في الصباح الباكر من ذلك اليوم، حدثت ضجة في معسكر النصارى، وخرج القشتاليون في قليل من النظام وتقدموا، ثم اشتبكوا مع المسلمين، وفي الصدمة الأولى سقط عدة من أكابر النصارى، واشتد القتال بين الفريقين، وسالت الدماء بغزارة.


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٩٤ و ١٩٥.
(٢) روض القرطاس ص ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>