للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما رأى ملك قشتالة رجاله يسقطون في المعركة على هذا النحو تقدم بنفسه إلى الأمام، وأخذ يثخن مع طائفة من رجاله في المسلمين يميناً وشمالا. ولكن رجاله رأوا أنه يستحيل عليهم أن يقاوموا ضغط الحشود الموحدية، خصوصاً بعد أن سقط كثير من النصارى، وقد استطالت المعركة إلى منتصف النهار، فتضرعوا إليه أن يحتفظ بحياته، خصوصاً وأنه يبدو أن الله قد تخلى عن النصارى. ولكنه أبي أن يصغى إليهم، فجذبوه من المعركة رغم إرادته، وارتد نحو طليطلة في نفر من الفرسان وقلوبهم تنفطر لما حدث حزناً وأسى (١).

وتتفق الروايتان الإسلامية والنصرانية على أنه عقب الهزيمة، لجأت فلول القشتاليين إلى حصن الأرك بقيادة دون ديجو لوبث دي بسكاية. وتقدر الرواية الإسلامية هذه الفلول بخمسة آلاف، فطوق الموحدون الحصن، وكان الخليفة المنصور يعتقد أن ملك قشتالة قد لجأ إليه، ولكنه تأكد من أقوال حليفه وخديمه القشتالي دون بيدرو فرنانديث دي كاسترو الموجود بمحلته، أن الملك قد لاذ بالفرار إلى طليطلة، فعندئذ طالب المنصور بتسليم الحصن في الحال، وأن يُعطى اثنى عشر فارساً كرهينة، حتى يحضر دون ديجو إليه بمراكش ويسلم نفسه أسيراً، وإلا فإنه سوف يقتحم الحصن ويقتل كل من فيه. وتقول لنا الرواية الإسلامية من جهة أخرى، إن الاتفاق تم بواسطة دون بيدرو فرنانديث (وتسميه ببطره ابن فراندس) على أن يفرج عن خمسة آلاف من أسرى المسلمين مقابل إطلاق القشتاليين المحصورين بالحصن، وأن المنصور ارتضى هذا الاتفاق، حرصاً على استنقاذ أسرى المسلمين، وأخذت رهائن وُجهت إلى إشبيلية. وهكذا استطاع دون ديجو لويث أن يخرج من الحصن، وأن يلحق بمليكه في طليطلة (٢).

ولكن صاحب روض القرطاس يقدم إلينا عن تسليم حصن الأرَك رواية يطبعها شىء من الخيال، وهو أن الموحدين أخذوا في حصن الأرك أربعة وعشرين ألف أسير من زعماء الروم، فرأى الخليفة المنصور أن يمن عليهم بالإفراج، فأطلق سراحهم وأقالهم من الأسر بعد أن مَلَكهم، وأن هذا التصرف من جانبه،


(١) الرواية النصرانية اللاتينية Chronique Latine des Rois de Castille التي سبقت الإشارة إليها.
(٢) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٩٥ و ١٩٦. والرواية النصرانية اللاتينية التي سبقت الإشارة إليها. وينقل صاحب الحجب المستورة هذه الرواية (مخطوط المتحف البريطاني ص ١٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>