الرواية. والظاهر أن صاحب روض القرطاس يشير بذلك إلى غزوة المنصور التالية لأراضي قشتالة بعد ذلك بعامين، وهي غزوة سوف نتحدث عنها فيما بعد (١).
وبعد أن أخرج المنصور خمس الغنائم، وقسم ما فيها على المجاهدين، سار في جيوشه المظفرة ميمماً شطر إشبيلية، وقد محا بهذا النصر الباهر ما لحق [[هيبة]] الحراب الموحدية في شبه الجزيرة، عقب نكبة شنترين من الانتكاس والتصدع، فوصل إليها في يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شعبان سنة ٥٩١ هـ (٦ أغسطس سنة ١١٩٥ م)، وأقبلت إليه الوفود من كل فج تزجي إليه تهاني النصر. ثم أمر أن يكتب بالفتح إلى سائر جهات الأندلس والمغرب. وطلب إلى أبي الفضل بن طاهر ابن محشرة أن يتوخى في كتب الفتح غاية الإيجاز، وأن يكتبها على مثل كتب الصحابة في فتوحهم، فصدع أبو طاهر بالأمر. ورفع الشعراء قصائدهم إلى الخليفة كالعادة، ونظم أبو العباس الجراوي شاعر البلاط الموحدي، في الفتح قصيدة جاء فيها:
هو الفتح أعيى وصفه النظم والنثرا ... وعمت جميع المسلمين به البشرى
وأنجد في الدنيا وغار حديثه ... فراقت به حسناً وطابت به نشرا
لقد أورد الأذفونش شيعته الردى ... وساقهم جهلا إلى البطشة الكبرى
حكى فعل إبليس بأصحابه الألي ... تبرأ منهم حين أوردهم بدرا
رأى الموت للأبطال حوليه ينتقى ... فطار إلى أقصى مصارعه ذعرا
ألوف غدت مأهولة بهم الفلا ... وأمست خلاء منهم دورهم قفرا
ودارت رحى الهيجا عليهم فأصبحوا ... هشيماً طحيناً في مهب الصبا يذرا
وأنشد الشاعر الأندلسي المرسي، علي بن حزمون بين يدي الخليفة قصيدة، وقعت منه أجمل وقع، وهذا بعض ما جاء فيها:
حيتك معطرة النفس ... نفحات الفتح بأندلس
فذر الكفار ومأتمهم ... إن الإسلام لفي عرس
أإمام الحق وناصره ... طهرت الأرض من الدنس
وملأت قلوب الناس هدى ... فدنا التوفيق لملتمس
ورفعت منار الدين على ... عُمد شُمٍّ وعلى أسس
(١) راجع روض القرطاس ص ١٥١.