البداية من أصدقائه، الذين استقبلوه يوم مقدمه، وآزروه وقاتلوا معه، فولى حجابته تمام بن علقمة، ثم ولاها من بعده ليوسف بن بخت الفارسي مولى عبد الملك ابن مروان، ثم عبد الكريم بن مهران الغساني، ثم عبد الرحمن بن مغيث ولد مغيث فاتح قرطبة، وولاها في آخر أيامه لمنصور الخصي، فلم يزل في حجابته حتى توفي. وعين لمشورته أبا عثمان عبيد الله بن عثمان كبير أنصاره، وصهره عبد الله بن خالد، فكانا مدى حين دعامة حكومته. وكان من أعوان حكومته أيضا جدار بن عمرو، وأبو عبدة حسان بن مالك زعيم إشبيلية، وشهُيد بن عيسى ابن شهيد، وعبد السلام بن بسيل الرومي، وهما من موالي بني أمية، وثعلبة ابن عبيد الجذامي الذي ولاه سرقسطة فيما بعد، وعاصم بن مسلم الثقفي وهو من خاصة أنصاره يوم المسارّة. وولى قيادة عسكره مولاه بدرا، وتمام بن علقمة، وعبد الملك المرواني، وثعلبة بن عبيد، وغيرهم من خاصة عصبته، وقد كان عبد الرحمن يتولى بنفسه قيادة الجيش، في معظم الوقائع والحروب التي نشبت بينه وبين خصومه كما رأينا. وولى عبد الرحمن على الكور والثغور جماعة مختارة من أصدقائه، وذوى رحمه الوافدين عليه حسبما فصلنا في مواضعه. وعلى الجملة فقد كانت حكومة عبد الرحمن الداخل تقوم في البداية بالأخص على العصبية والموالاة، وكانت عربية في بنائها وروحها، ولكن الخصومة المستعرة التي شهرها زعماء القبائل والبطون المختلفة على عبد الرحمن، والثورات المستمرة التي عملوا على إضرامها من حوله، ونكثهم المتكرر بعهودهم، حمله على الاسترابة بالعرب والحذر منهم، فمال عنهم إلى اصطناع الموالي والبربر، ولاسيما بربر العُدوَة (المغرب) وحشد حوله من الموالي والبربر والرقيق آلافاً مؤلفة، لتكون له وقت الحاجة عونا يركن إليه ويثق به. وكان ذلك قاعدة للسياسة التي سار عليها خلفاء عبد الرحمن الداخل من بعده، والتي بلغت ذروتها في عهد عبد الرحمن الناصر، كما نفصل في موضعه (١).
وأما عن سياسة عبد الرحمن نحو رعاياه النصارى (المستعربين)، ونحو نصارى الشمال، فقد كانت سياسة اعتدال ومهادنة. وكان من الواضح أنه نظراً لاشتغاله المستمر بأمر الثورات الداخلية، لم يفكر في غزو أرض النصارى، وأنه