للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان يرحب بعقد السلم والمهادنة معهم. وهذا الأمان الذي يقال إن عبد الرحمن أصدره لجيرانه نصارى قشتالة يؤيد هذه السياسة وهذا نصه:

" بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب أمان الملك العظيم عبد الرحمن، للبطارقة والرهبان والأعيان والنصارى والأندلسيين أهل قشتالة، ومن تبعهم من سائر البلدان. كتاب أمان وسلام، وشهد على نفسه أن عهده لا ينسخ ما أقاموا على تأدية عشرة آلاف أوقية من الذهب وعشرة آلاف رطل من الفضة، وعشرة آلاف رأس من خيار الخيل، ومثلها من البغال، مع ألف درع وألف بيضة ومثلها من الرماح، في كل عام إلى خمس سنين، كتب بمدينة قرطبة ثلاث صفر عام اثنين وأربعين ومائة (٧٥٩ م) " (١).

وكان عبد الرحمن الداخل يتمتع بمواهب إدارية باهرة، فاستطاع خلال الاضطراب الشامل أن يوطد دعائم الحكم والإدارة، وأن يقمع كثيراً من ضروب الفساد والبغي، وأن يؤيد هيبة القانون والنظام. ولما توطد سلطانه وخبا ضرام الثورة نوعاً، استطاعت الأندلس أن تتمتع في ظل حكومته بأمن وطمأنينه ورخاء لم تعرفها منذ بعيد، ولو لم يُشغل عبد الرحمن طوال عهده بقمع الثورة والفتن الداخلية، لاستطاع كأسلافه الفاتحين الأوائل، أن يبعث الأندلس خلقا جديدا، وأن يجعل منها حديقة يانعة. على أنه ذلل الصعب ومهد الطريق لعقبه، واستطاع أن يضع دعائم تلك المملكة، التي غدت على يد بنيه أعجوبة العصور الوسطى. وينوه ابن حيان مؤرخ الأندلس بمقدرة الداخل وكفاياته الإدارية فيقول إنه " دون الدواوين، ورفع الأواوين، وفرض الأعطية، وعقد الألوية، وجند الأجناد، ورفع العماد، وأوثق الأوتاد، فأقام للملك آلته، وأخذ للسلطان عدته " (٢).

وعنى عبد الرحمن بالجيش عناية خاصة، فحشد المتطوعة والمرتزقة من كل صوب، وبلغت قواته مائة ألف مقاتل (٣)، هذا عدا حرسه الخاص الذي أنشأه


(١) أورد ابن الخطيب في كتاب الإحاطة (مخطوط الإسكوريال) نص هذا الكتاب ونقله عنه الغزيري في فهرسه. راجع Casiri: Bibliotheca Arabico - Hispana Escurialenses.Vol.II.p. ١٠٤. بيد أننا نرتاب على الأقل في صحة الأرقام التي وردت به لضخامتها بالنسبة لموارد النصارى في هذا العصر.
(٢) نقله نفح الطيب ج ١ ص ١٥٥.
(٣) نفح الطيب ج ٢ ص ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>