للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الموالي والبربر والرقيق حسبما قدمنا ويبلغ زهاء أربعين ألفا (١). كذلك عنى عبد الرحمن في أواخر عهده بأمر القوات البحرية، فأنشأ عدة قواعد لبناء السفن في بعض الثغور النهرية والبحرية، مثل طركونة وطرطوشة وقرطاجنة وإشبيلية وغيرها (٢). ويقال إن عبد الرحمن الداخل لما توطد ملكه، وكثرت قواته وعدته، فكر في استرداد ملك بني أمية بالشام، والرحيل إلى المشرق ببعض قواته، واستخلاف ولده سليمان على الأندلس، وأيده في ذلك خاصة أسرته ومواليه. وكان ذلك في سنة ١٦٣هـ. ولكن اضطرام الثورة في سرقسطة حال بينه وبين ذلك العزم، وتوفي قبل أن تسنح فرصة لتنفيذه (٣). وقد تكون هذه أمنية جالت بذهن عبد الرحمن، ولكنا لا نجد في ظروف حياته التي انقضت كلها في إخماد الفتن والثورات المحلية، ما يسمح باعتبار مثل هذه الأمنية مشروعاً جدياً تتخذ العدة لتنفيذه.

واستطاع الداخل أيضاً أن يعني بالحاضرة الأموية الجديدة أعني قرطبة، فحصنها وزينها بالمنشآت الفخمة والرياض اليانعة. وكان أول ما أنشأ بها في عهده منية الرُّصافة وقصرها المنيف. وكان قصر الإمارة بناء قديماً ساذجاً يرجع إلى عهد القوط، فرأى عبد الرحمن أن ينشئ ضاحية ملوكية جديدة، تليق بحاضرة ملكه، وتعيد ذكرى بهاء بني أمية بالمشرق، فأنشأ في شمال غربي قرطبة قصراً فخماً تحيط به حدائق زاهرة، وجلب إليها مختلف الغروس والبذور والنوى من الشأم وإفريقية، وسمى تلك الضاحية الجديدة بالرُّصافة تخليداً لذكرى الرُّصافة التي أنشأها جده هشام بالشأم، واتخذها مقاماً ومنتزهاً ومركزاً للإمارة، وكانت حدائق الرصافة أماً لحدائق الأندلس، ومنها انتشرت بالأندلس غروس الشام وإفريقية (٤). وفي سنة ١٥٠هـ بدأ عبد الرحمن بإنشاء سور قرطبة الكبير، واستمر العمل فيه مدى أعوام (٥). وأنشأ عبد الرحمن في قرطبة وفي باقي مدن الأندلس مساجد محلية عديدة، وبدأ في أواخر أيامه (سنة ١٧٠ هـ - ٧٨٦ م) بإنشاء المسجد


(١) نفح الطيب ج ٢ ص ٦٧.
(٢) Reinaud: ibid , p. ١٢٠
(٣) نفح الطيب ج ١ ص ١٥٦، وج ٢ ص ٧٦.
(٤) نفح الطيب ج ١ ص ٢١٧.
(٥) ابن خلدون ج ٤ ص ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>