للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحيى على المدينة، وحاصرها حصاراً شديداً، وقطع غابات النخيل القريبة منها، إلا نخلة واحدة تركها للعبرة. فأذعن أهل المدينة إلى التسليم، على أن يؤمن واليهم ابن تفراجين، ويُسمح له أن يغادر المدينة بأهله من طريق البحر، فأوفى لهم يحيى بذلك، وفرض على المدينة إتاوة قدرها ستون ألف دينار. وكتب كاتبه أبو محمد عبد البر بن فرسان كتاباً بهذا الفتح، يشيد فيه بعود المدينة إلى الدعوة العباسية (١). وبينما كان الميورقي يتابع مغامراته، ويعمل على توطيد سلطانه في بلاد الجريد، إذ ظهر بإفريقية عامل مقلق جديد بثورة ابن عبد الكريم. وكان محمد ابن عبد الكريم الرجراجى هذا، من زعماء الجند، الذين امتازوا بالشجاعة والنجدة، وأبوه جندى من أهل المهدية، ينتمى إلى قبيلة كومية الموحدية. وكان قد ظهر في مقاتلة الأعراب وغيرهم من العناصر المشاغبة المفسدة، واستطاع في كثير من المواطن أن يقمع شغبهم وضررهم، بمن التف حوله من الجند والأنصار، فلما قوي أمره، وظهرت كفايته، قدمه الوالي لتلك المهمة، وأطلق يده في محاربة الخوارج والمعتدين، فكان يطاردهم وينكل بهم، ويقتل من يقتل، ويعتقل من يعتقل، فلا يطلقه إلا بعد دفع الأموال الكثيرة، وإعطاء العهود المؤكدة على التزام الطاعة والسكينة.

فلما وُلى الشيخ أبو سعيد بن أبي حفص، من قبل الخليفة المنصور، على إفريقية، قدم على المهدية، أخاه أبا على يونس بن أبي حفص، فطالب ابن عبد الكريم أن يُشركه فيما يغنمه من أموال الأعراب المخالفين، فرفض ابن عبد الكريم تحقيق رغبته، وطلب إليه أن يتركه على ما كان عليه الولاة من قبل. فقبض عليه أبو علي وأهانه، وزجه إلى السجن، فاستغاث ابن عبد الكريم بالشيخ أبي سعيد والي إفريقية فلم يسعفه. وحدث عندئذ أن اشتد عيث الأعراب بالساحل، وكثرت الشكوى منهم، وألح الناس على أبي على أن يطلق ابن عبد الكريم، فاضطر إلى إطلاقه خشية الفتنة، ورد إليه منصبه وجنده، وأمره بالعمل على كف عيث أولئك الأعراب. فخرج ابن عبد الكريم في صحبه، وأقام محلته في ظاهر المهدية، وشكا إلى جنده ما لحقه من ظلم الوالي، وتفاهم معهم على الغدر بأبي على والاستيلاء على المدينة. ويقدم إلينا ابن الأثير تفسيراً آخر لتصرف ابن عبد الكريم، خلاصته أن جماعة من عرب بني عوف نزلوا على مقربة من المهدية، فخرج


(١) راجع رحلة التجاني ص ١٠٥ - ١٠٨

<<  <  ج: ص:  >  >>