إليهم ابن عبد الكريم، فخافوا وفروا تاركين عيالهم وأموالهم، فاستولى ابن عبد الكريم على المال والعيال، وسلم العيال وجزءاً من المال والأسلاب إلى الوالي واحتفط بالباقى، فسار رؤساء بني عوف إلى الشيخ أبي سعيد، وقدموا الطاعة ووحّدوا واستغاثوا به، أن يرد إليهم أموالهم وعيالهم، فاستدعى ابن عبد الكريم وطالبه برد ما أخذ من أسلابهم، فاعتذر ابن عبد الكريم بأنه أعطاه إلى الجند ولا يستطيع رده. فأغلظ له الشيخ أبو سعيد القول، وهم أن يبطش به، فاستمهله حتى يعود إلى المهدية، ويحاول أن يسترد من الجند ما استطاع. فلما عاد إلى المهدية، نبأ صحبه بما حدث، واتفق معهم على الوثوب بأبي على يونس. وعلى أي حال فقد نفذ ابن عبد الكريم مشروعه، ودخل المدينة في أواخر الليل في ثُلة مختارة من صحبه، وبادر إلى قصر الوالي ونفذ إليه، وقبض على أبي على، وحبسه في موضع من القصر، ولم يطلقه إلا بعد أن وصل فداؤه من قبل أخيه الشيخ أبي سعيد، فارتد إلى أخيه مخذولا، وبسط ابن عبد الكريم بذلك حكمه على المهدية، وكان استيلاؤه عليها في شهر شعبان سنة ٥٩٥ هـ (١)، لأشهر قلائل من ولاية الناصر.
واستبد ابن عبد الكريم بحكم المهدية، وتسمى " المتوكل على الله "، واستفحل أمره. وفي تلك الأثناء وصل السيد أبو زيد ابن السيد أبي حفص من قبل الناصر والياً على إفريقية، مكان الشيخ أبي سعيد، ومعه جماعة من الأشياخ والأجناد. فاعتزم ابن عبد الكريم أن يحاصره بتونس، قبل أن يستعد لقتاله، فسار إلى جهة قرطاجنة وعسكر عند مدخل البحر إلى البحيرة، فسير السيد أبو زيد السفن في البحر، والجند في البر لقتاله، وكان ابن عبد الكريم قد رتب كمائنه في بعض المواضع، فلما أقبل إليها الموحدون، خرجت عليهم تلك الكمائن، فأوقعت بهم الهزيمة وفتكت بمعظمهم، وانتشر عسكر ابن عبد الكريم في أحواز تونس، وعاثوا فيها نهباً. وعندئذ بعث السيد أبو زيد والشيخ أبو سعيد إلى ابن عبد الكريم، أشياخاً من الموحدين يسوقون إليه اللوم، ويذكرونه بانتمائه إلى الموحدين، وأن ما يفعله مروق ونكران لا يليق به، وأنه من الخير أن يعود إلى طائفته، فوعدهم ابن عبد الكريم خيراً، ثم عاد إلى المهدية. وكانت قد حدثت في تلك الأثناء وحشة بين ابن عبد الكريم، ويحيى الميورقي
(١) رحلة التجاني ص ٣٥٠ - ٣٥٢، وابن الأثير ج ١٢ ص ٥٢