وهكذا انتهت هذه المعركة العنيفة الشاملة، بسحق يحيى بن إسحاق الميورقي، وسحق سلطان بني غانية في إفريقية، واسترداد الموحدين لسلطانهم وهيبتهم، في تلك المناطق الغنية الآهلة. وكان قد مضى نحو ربع قرن، منذ نفذ بنو غانية أصحاب الجزائر الشرقية، مشروعهم في مهاجمة إفريقية، واتخاذها مسرحاً للصراع ضد الموحدين خصوم الدولة المرابطية والمنتزعين لتراثها، ومنذ استولى عميدهم علي بن إسحاق بن غانية الميورقي، على ثغر بجاية في سنة ٥٨٠ هـ (١١٨٤ م) في أوائل عهد الخليفة المنصور. وقد تتبعنا حركات بني غانية ومغامراتهم في إفريقية من ذلك التاريخ، وأتينا على فتوحاتهم المتوالية للقواعد والثغور الإفريقية، وعلى ما نشب بينهم وبين الموحدين، في مختلف المواطن والتواريخ، من معارك مريرة مستمرة. ولقد كان بنو غانية رجال حرب وسياسة معاً، يبغون افتتاح الأقطار، وبسط السيادة والسلطان على ما يفتحونه من الأراضي، ولكن كانت تحفزهم إلى خوض هذه المعارك مع الموحدين مشاعر ومثلٌ خاصة، فقد كانت تجثم وراء هذه المعارك والفتوحات المتوالية، إلى جانب شهوة السلطان والملك، رغبة مضطرمة في تقويض أسس الدعوة الموحدية، والقضاء على سلطان الموحدين. وكانوا يرون الدعوة الموحدية، دعوة ختل وخداع، ويعتبرون الموحدين غاصبين آثمين، استولوا بغير حق ولا سند شرعى، على تراث الدولة المرابطية غدراً وظلماً، ويعتبرون المرابطين سادتهم وحماتهم الأوائل، وبنى قبيلهم وجلدتهم، مجاهدين شهداء، يجب الانتقام لهم، والانتصاف لحقهم المغصوب.
كانت هذه العواطف والمثل هي التي تحرك بني غانية في البداية إلى شهر صراعهم ضد الموحدين في إفريقية، ولكنهم بعدما تحقق لهم الظفر في ذلك الصراع، وبعد أن استولوا على معظم القواعد والثغور الإفريقية، ونعموا بالملك والسلطان، وامتلأت أيديهم من الأموال والغنائم، تحولوا إلى فئة من المغامرين، تقصد قبل كل شىء إلى تحقيق الغُنم والسلطان بأى الوسائل، وتضاءل لون المعركة المذهبي والمثالى شيئاً فشيئاً، واستحال إلى صراع مادي على امتلاك ملك المنطقة الغنية الآهلة - إفريقية - وانتزاعها من أيدي الموحدين، لتغدو غنماً لبني غانية. وقد أسفر هذا الصراع عن تحقيق أمنية بني غانية كاملة، واستطاع