يحيى بن غانية، بعد فترة قليلة من مصرع أخيه علي بن غانية، أن يفتتح سائر القواعد والثغور الإفريقية - القيروان وسوسة والمهدية وصفاقس وقفصة وبلاد الجريد، وجبل نفوسة وطرابلس وغيرها، وانتهى أخيراً بأن افتتح تونس ذاتها، وتغلب على خصومه من الغز في المنطقة الشرقية، وسحق سائر الحملات الموحدية التي وجهت لقتاله، ولم يبق بيد الموحدين من إفريقية سوى بجاية، وما يليها من الشاطىء.
على أن هذه المملكة العظيمة، التي استطاع يحيى بن غانية أن يبسط عليها سلطانه، لم تكن وحدة متماسكة متناسقة، فقد كان سكانها يتألفون من عناصر مختلفة متنافرة، من العرب والبربر، وكان من بينها في الجنوب في جبل نفوسة، وما يليه، طوائف من الخوارج لا تدين بالولاء لأحد. ولم يكن يحيى بن غانية بالرغم من براعته وبسالته كجندى وقائد، يتصف بشىء من المقدرة الإدارية والنظامية، ولم يستطع بالرغم من ظفره على خصومه في معظم المعارك التي خاضها، أن ينشىء في البلاد التي افتتحها أية نوع من الحكومة المنظمة، بل كان يجرى في حكمها على نوع من الارتجال الخطر، وكانت أساليبه في الحكم هي أساليب الطاغية المطلق، أعني حكم عسف وهوى، لا يعرف معنى للحق والعدل، فلم يكن ثمة في ظله ضمان للنفس أو الأموال أو الحرم، بل كان يتميز قبل كل شىء بالقتل والغصب واستباحة الحُرم، وعلى الجملة، فلم تكن حكومة الميورقي، وعماله في تلك الأقطار، سوى حكومة عصابات ناهبة تعتمد في تدعيم سلطانها على الإرهاب المطبق. وكان يحيى لا يدخر وسعاً في استلاب المال بكافة الوسائل، ينفق منه على حملاته ومشاريعه الحربية التي لا تنتهي، ويبذل الوفير لأحلافه من طوائف الأعراب القُلّب الذين لا يخبو لهم جشع. وقد رأينا ما كان من بالغ جشعه واشتطاطه في فرض الغرامات على أهل تونس، وجبل نفوسة، وما اقترن باقتضائها من رائع السفك والتقتيل.
وقد كان حريًّا بمثل هذا الحكم أن يثير بغض سائر المحكومين ومقتهم وأن يحفزهم إلى ترقب انهياره والخلاص منه. وهكذا كان سلطان بني غانية، يقوم على بركان من البغض الخطر، الذي لا يلطف منه أي عطف أو ولاء. وبالرغم من أن حكم الموحدين لإفريقية لم يكن حكماً مثالياً، فقد كان على الأقل حكماً نظامياً، في معنى من المعانى، وكان بعيداً عن مثل هذه الفظائع، التي كانت تصم حكم