بني غانية باستمرار، ومن ثم فإنه لم يكن غريباً أن يتوق أهل المدن الإفريقية إلى عودة الحكم الموحدي، وأن يستقبلوا الجيوش الموحدية بالترحيب والرضى، وأن يبتهجوا لسقوط الميورقي وانهيار سلطانه.
تلك هي الظروف والعوامل التي اجتمعت لتقوض سلطان بني غانية في إفريقية، ولتحول انتصارات يحيى الميورقي وفتوحاته، إلى حملات ناهبة غير مستقرة الدعائم، ولتجعل من حكمه لتلك المملكة الغنية الشاسعة، حكم عصابة مغامرة، ولتحمل إليه في النهاية عوامل الانهيار والسقوط.
على أن يحيى الميورقي، بالرغم من هزيمته الساحقة في جبل تاجرا، ومن فقده لأمواله وعتاده، ومعظم صحبه، وفراره في فلوله شريداً إلى الصحراء الجنوبية، لم ييأس مع ذلك، ولم تتكسر نفسه الوثابة، ولم تخب قواه المعنوية، ولم يعتبرها كلمة الفصل النهائية، في معركته مع الموحدين، وسوف نراه عما قريب ينزل إلى ميدان النضال والصراع مرة أخرى، مزوداً بقوى جديدة، وآمال جديدة.
- ٥ -
كان أهم ما عنى به الناصر خلال إقامته بتونس، هو أن يتخذ كل إجراء ممكن، لتأمين إفريقية، وتوطيد سلطان الموحدين بها، والحيلولة دون قيام أمر بني غانية مرة أخرى. وكان يحيى الميورقي على أثر هزيمته الساحقة في موقعة تاجرا، قد فر في فلوله حسبما تقدم إلى الواحات الجنوبية، بيد أنه لم يكن ثمة ما يدل على أنه قد سحق بصورة نهائية. ومن جهة أخرى فقد كانت توجد ثمة طوائف أخرى من البربر والأعراب في الجهات الجنوبية، دائبة الشغب والعصيان. ففي شهر صفر سنة ٦٠٣ هـ، وجه الناصر وهو ما يزال بتونس حملة موحدية جديدة، تحت إمرة أخيه السيد أبي إسحق، إلى الأطراف الجنوبية لاستئصال أهل الشر والفساد، فسارت هذه الحملة، وهي تتقصى آثار " الأشقياء " شرقاً وغرباً، حتى وصلت إلى أحواز طرابلس، وقامت بردع بني دمر، ومطماطة، ووصلت إلى آخر جبال نفوسة، وهي تعمل على مطاردة العناصر المشاغبة وسحقها، ثم عادت إلى تونس بعد أن قامت بتأدية مهمتها، دون أن تلقى معارضة أو مقاومة (١).