للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعمال، وشكا إليه أهل فاس من مظالم عاملهم أبي الحسن بن أبي بكر، كما شكا إليه أهل مكناسة من مظالم عاملهم أبي الربيع بن أبي عمران، فأمر بالقبض عليهما، واستصفاء أموالهما، ثم رحل إلى مكناسة، ونزل بها في صفر، وأصابته هنالك وعكة، يبدو أنها كانت من أثر مرض وبائى فشا ببلاد الأندلس وانتقل إلى العدوة. فلما تماثل للشفاء، غادر مكناسة إلى رباط الفتح، فوصل إليها في شهر ربيع الأول، ثم رحل منها مباشرة، إلى مراكش، فوصلها بعد أيام قلاثل (١).

وما كاد الناصر يستريح من وعثاء السفر، حتى عاد إلى النظر في الأعمال السلطانية، فقدم أبا محمد عبد العزيز بن عمر بن أبي زيد على الأشغال بالعدوتين المغرب والأندلس. وكان أبو سعيد بن جامع متولياً للوزارة، فبقى على ما كان عليه، وكانت تربطه بعبد العزيز بن أبي زيد روابط الصداقة. ووصل معظم العمال مع أتباعهم وكتابهم، وفقاً للأمر الصادر بذلك، وأخذ في تصفح أعمالهم ومراجعتها، وكان ممن وصل من العمال بالأندلس، يوسف بن عمر الكاتب ومؤرخ الخليفة المنصور، وكان يتولى النظر على بعض الأشغال المخزنية والسهام السلطانية، وكان قد لحقت بتصرفاته بعض الريب، فما كاد يقترب من الحضرة حتى أحيط بأحماله ومتاعه وقبض عليه وثقف، ثم فتحت أحماله وأمتعته بحضور الشهود وروجعت، فلم يوجد بينها شىء مما يدينه، فأمر الخليفة بإطلاق سراحه، ورد ماله ومتاعه إليه، وكان مما شفع له في ذلك عند الناصر، كتابه الذي ألفه في محاسن والده المنصور (٢).

وفي هذا العام توفي السيد أبو الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن والي بجاية، وكان قد قام بتجديدها عقب الحريق الذي أصابها وخرب كثيراً من ربوعها. وفي العام التالي أعني سنة خمس وستمائة أقيل السيد أبو الحسن بن عمر والي تلمسان لمرضه وعجزه عن ضبط الأمور، واضطراب قبائل زناتة في تلك المنطقة، وعين مكانه في الولاية السيد أبو عمران موسى أخو الخليفة، فقدم إلى تلمسان ومعه عسكر من الموحدين ليستعين بهم في ضبط الأمن والسكينة في تلك المنطقة.

وفي تلك الأثناء كانت الحوادث في إفريقية قد عادت إلى اضطرامها، وعاد يحيى الميورقي إلى استئناف نشاطه ومغامراته. وكان مذ لحقت به


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٢٥ و ٢٢٦.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٤٩، والبيان المغرب ص ٢٢٧ و ٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>