الهزيمة الساحقة، بجبل تاجرا، وارتد بفلوله إلى الجنوب، يرقب الفرص للانتقام واسترداد شىء من سلطانه الضائع. وكان ما يزال يلتف حوله بعض طوائف من حلفائه الأعراب، الذين بقوا إلى جانبه بالرغم من محنته. وقد أشرنا من قبل غير مرة إلى الدور الذي كانت تقوم به طوائف العرب في أرجاء إفريقية، من احتراف الحرب، والتقلب في محالفة مختلف الجهات. وكان بنو غانية يعتمدون بالأخص على معاونة العرب في سائر مشاريعهم الحربية. وكان يحيى الميورقي يجمع حوله كثيراً من حشودهم، ويأسرهم بوافر بذله، وإطلاق أيديهم كلما سنحت الفرص، في أعمال السلب والنهب. وكذلك كان الموحدون يعتمدون على بعض طوائف العرب في تزويد جيوشهم بفرق المرتزقة. فلما حلت الهزيمة بيحيى وتحطم سلطانه، تركه كثير من حلفائه العرب السابقين، وانضموا إلى جانب الموحدين الظافرين، وكان من هؤلاء بنو مرداس وبنو عوف من بطون بني سُليم، وكانت أحياؤهم تقع في المنطقة الممتدة من قابس نحو بونة، أما بنو زغبة فقد كانوا أصلا من خصوم بني غانية، ولم ينقطعوا عن محاربتهم قط، وكانوا دائماً إلى جانب الموحدين، ثم تحالفوا بعد ذلك مع بربر زناته الضاربين في المغرب الأوسط، واستمرت المصادمات بينهم وبين بني غانية. بيد أن يحيى استطاع بالرغم من محنته أن يستبقى إلى جانبه بالأخص، حشوداً كبيرة من رياح وسليم، ومن الزواودة من بطون رياح، وشيخهم محمد بن مسعود البلط لم يفارقه في ضرائه.
فلما غادر الخليفة الناصر، تونس، وسار في معظم قواته صوب المغرب، في أواخر سنة ٦٠٣ هـ، أخذ يحيى الميورقي، يتأهب للنهوض والحركة مرة أخرى، ثم سار على رأس جموعه نحو الشمال، وهو يعيث حيثما حل، وكان الشيخ أبو محمد الحفصى والي إفريقية ساهراً، يرقب عن طريق عيونه حركات الميورقي، فلما ترامت إليه الأخبار بتحركه، خرج في جيش من الموحدين والعرب، من بني عوف وسليم ومرداس، وسار تواً للقائه. والتقى الفريقان في منطقة تبيشة على ضفة وادي شبرو، واقتتل الفريقان بشدة وعنف، واستمرت المعركة طول اليوم، وأسفرت في النهاية عن ظفر الموحدين وهزيمة المرابطين الميورقيين ومن معهم من العرب، فارتد يحيى في فلوله وهو جريح، والموحدون في أثره، ولكنه استطاع أن يلحق بالصحراء في اتجاه طرابلس، واستولى الموحدون على