محلته وسائر عتاده وأسلابه ومتاعه، وكانت غنيمة وافرة، وتمت هذه الهزيمة على يحيى الميورقي في ٣٠ ربيع الأول سنة ٦٠٤ هـ (٢٤ أكتوبر سنة ١٢٠٧ م). ورجع أبو محمد إلى تونس مكللا بغار الظفر، وكتب إلى الناصر بالفتح، واستنجزه وعده في الإقالة من منصبه، فبعث إليه الخليفة يشكره ويعتذر له بانشغاله بشئون المغرب، ويرجوه الاستمرار في النظر، وبعث إليه بالمال والخيل والكسى للإنفاق والعطاء، وبلغ ما أرسله من المال وحده مائتي ألف دينار (١).
على أن هذه الهزيمة الثانية لم تفت في عضد يحيى بن غانية، ولم تخمد لديه عزم التوثب والنضال، فجمع أشتات قواته مرة أخرى، ورأى تلك المرة، تجنباً للصدام مع أبي محمد، وتفادياً لضرباته القاصمة، أن يتجه نحو المغرب، فسار في جموعه من المرابطين وطوائف العرب، متجهاً صوب الجنوب الغربي، وهو يعيث قتلا ونهباً أينما حل، وتحالف مع بطون زناتة الضاربة في تلك الأنحاء، واستمر في سيره حتى وصل إلى واحات سجلماسة، ثم هاجم سجلماسة واقتحمها، ونهبها، وفرق الغنائم في أصحابه، وكانت وفيرة، فانتعشت نفوسهم. وكان وصول الميورقي على هذا النحو إلى أعماق المغرب، واقترابه من العاصمة الموحدية، مثار الدهشة والروع بين الموحدين، ونهض الشيخ أبو محمد في قواته مرة أخرى للقاء الميورقي عند العود، وبعث إلى والي تلمسان السيد أبي عمران موسى يحذره من مفاجآت الميورقي، وأن يتجنب لقاءه، وكان السيد أبو عمران قد خرج من تلمسان يجوس بين قبائل زناتة الضاربة في جنوبها، يسترضيهم، ويستميلهم إلى أداء الجبايات، والتزام الطاعة والسكينة. وكان بين قوات الميورقي كثير من بطون زناتة، الخوارج على طاعة الموحدين، فاتصل بهم زملاؤهم زعماء زناتة المقيمين في جنوبي تلمسان، وعرّفوا الميورقي بظروف السيد أبي عمران، وعدم استعداده وضعف قواته، وابتعاده عن مدينته المحصنة، فسار الميورقي نحو الشمال حتى اقترب من جنوبي تلمسان. وعلم السيد أبو عمران
(١) ابن خلدون ج ٦ ص ١٩٦ و ٢٧٨. وقد جاء في " العبر " أن مبلغ ما أرسله الخليفة من مال كان " مائة ألف ألف دينار ثنتان ". ومعنى ذلك أن المال بلغت جملته مائة مليون دينار. وهذا رقم يصعب تصديقه، ولا يتفق بأي حال مع تقديرات العصر وموارده. وربما كان هناك تحريف في النص.