سنة ست وستمائة، في جيش كثيف وافر العُدة، وسار جنوباً نحو قابس، ثم اتجه
نحو جبل نفوسة، حيث كان يحتشد المرابطون وحلفاؤهم العرب. والتقى الفريقان
في موضع من جبل نفوسة، وأقام أبو محمد محلته مزودة بالفساطيط والأبنية،
حتى لا تكون ثمة أية فكرة في التراجع. ثم اشتبك الفريقان في معركة عنيفة دامية، فانكشفت ميسرة الموحدين في البداية، وولي من كان بها من الغُز والأعراب منهزمين، وثبت الشيخ أبو محمد في القلب مع الموحدين والحفاظ، وانحازت إليه بعض طوائف من بني عوف وبنى سليم، واستمر القتال طول اليوم على أشده، وأسفر في النهاية عن هزيمة المرابطين وحلفائهم، وطارد الموحدون الجيش المنهزم، وأمعنواً فيه قتلا وأسراً، ولم ينقذهم من الفناء الشامل سوى دخول الليل، واستولى الموحدون على محلة الميورقي، وسائر ما بها من الأسلاب والغنائم، واستولوا كذلك على ظعائن العرب وغنائمهم التي كانوا يحتفظون بها، وذكر ابن خلدون نقلا عن ابن نجيل كاتب أبي محمد أن أحمال الغنائم في هذه الموقعة بلغت ثمانية عشر ألفاً، وكان بين القتلى محمد بن مسعود شيخ الزواودة، وابن عمه حركات بن أبي الشيخ، وشيخ بني قرة، وشيخ مغراوة، ومحمد بن الغازى ابن غانية، وكثيرون من أنجاد بني رياح وبنى هلال. وكانت ضربة ساحقة ليحيى ابن غانية، وحلفائه، تضارع في عنفها وأهمية نتائجها ضربة جبل تاجرا، وفر يحيى في فلٍّ من صحبه، وقد هدته النكبة، وأوقعت في قلبه اليأس، وارتد أبو محمد في قواته إلى تونس مكللا بغار الظفر، وكتب إلى الخليفة الناصر بالفتح، فقرىء كتابه بالمسجد الجامع، وجلس الناصر لتقبل الهناء والاستماع لمدائح الشعر (١)، وكان منها قصيدة لأبي عبد الله بن يخلفتن الفازازى هذا مطلعها:
هذه فتوح تفتحت أزهارها ... وتدفقت ملء الملا أنهارها
وتأرّجت نفحاتها وتبرجت ... صفحاتها وتبلجت أنوارها
وأتت بشائرها إليك سوافرا ... عن أوجه يا حبذا إسفارها
ولم ينس أبو محمد ما قام به عرب سليم من محالفة الميورقي والقتال إلى جانبه، فاخترق ديارهم خلال عوده، وأمر بالقبض على زعمائهم، وأرسلهم مصفدين إلى تونس، فكان لتصرفه وقع عميق في تلك المنطقة، التي كثر فيها تقلب
(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٣١ و ٢٣٢، وابن خلدون ج ٦ ص ١٩٦ و ٢٧٨.