للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناصر لهذه الأنباء المزعجة، وخصوصاً لما أبداه ملك قشتالة من الإصرار على خطته العدوانية، بالرغم من احتجاج رسل الناصر إليه، على خرق الهدنة، ومما هو جدير بالذكر أن الناصر كتب إلى الشيخ محمد بن أبي حفص والي إفريقية يستشيره في ذلك الأمر، وفيما يلتويه من استئناف الجهاد والغزو، وأبدى له الشيخ رأيه وجوب التريث ونصح بعدم العبور واستئناف الغزو في تلك الآونة. ولكن الناصر لم يستمع إلى رأيه (١)، وقرر الاستجابة لداعى الجهاد، وأخذ بالفعل في الاستعداد، ونفذت كتبه إلى سائر أنحاء المغرب وإفريقية وبلاد القبلة باستنفار الناس إلى الجهاد، فاستجابت سائر الجهات والقبائل إلى الدعوة، وكتب الناصر في نفس الوقت، إلى ولاة إشبيلية وقرطبة، بوجوب تجديد حشد الجند، وإعداد المؤن، وتمهيد السبل في جميع المناطق (٢).

ولما كملت الأهبة، وأقبلت الحشود من سائر الأنحاء، وجهزت بما يلزم من العتاد والسلاح والكسى والمؤن، خرج الناصر في قواته الجرارة من حضرة مراكش في يوم السبت عشرين من شعبان سنة ٦٠٧ هـ (٥ فبراير سنة ١٢١١ م) وسار إلى رباط الفتح، وعسكر في الضاحية المجاورة المسماة ببرج الحمّام، وقضى هنالك نحو شهرين وهو يعمل على استيفاء الأهبة، وتنظيم الشئون، ونفذت كتبه مرة أخرى إلى الأندلس، يطلب إلى ولاتها حث الناس على الجهاد، واتخاذ ما يجب من ضروب الاستعداد، فعكف الولاة على تنفيذ تلك الأوامر، بكل ما وسعوا من غيرة وجهد.

وخرج الناصر في جيوشه من رباط الفتح، في يوم الاثنين الثامن عشر من شوال (٤ أبريل سنة ١٢١١ م)، قاصداً إلى قصر كتامة (القصر الصغير)، ونحن نعرف أن هذه المنطقة الممتدة من رباط الفتح شمالا حتى البحر، وهي طريق الجيوش الموحدية إلى الأندلس، كانت مزودة بمراكز هامة لتموين الجيوش المسافرة، سواء في الذهاب والإياب، وأن هذه المراكز كانت تزخر دائماً بالمؤن والعلوفات اللازمة. ولكن الجيوش الموحدية لقيت هذه المرة خلال مسيرها، صعاباً مرهقة في التموين، ونضبت الأقوات، وغلت الأسعار بصورة لم تعهد


(١) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٤٩.
(٢) البيان المغرب، القسم الثالث ص ٢٣٥ و ٢٣٦، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٤٩، وروض القرطاس ص ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>