عن انتهاز هذه الفرصة على الفور سوى منازعاتها الداخلية.
فلما اقترب أجل انتهاء الهدنة بين قشتالة وبين الموحدين، أخذ ملك قشتالة ألفونسو الثامن، يتأهب لغزو الأندلس. وكان منذ هزيمة الأرك الساحقة، يتوق إلى الانتقام لهزيمته، ورفع الوصمة التي لحقت من جرائها الجيوش النصرانية، وفي أوائل سنة ١٢٠٩ م، خرج ألفونسو الثامن من قشتالة في قواته، واحتشد فرسان قلعة رباح، في قلعة شلبَطَرّة، على مقربة من قلعة رباح، وكانوا قد لجأوا إليها منذ انتزع الخليفة يعقوب المنصور قلعة رباح من أيديهم عقب معركة الأرك وسار ألفونسو صوب جيّان وبيّاسة، فانتسف الحقول وخرب الضياع، وقتل وسبي، وعاث الفرسان في أحواز أندوجر، واستولوا على عدة حصون، وأصاب المسلمين من جراء تلك الغارات، محن وخسائر فادحة. وفي العام التالي خرج ألفونسو إلى الأندلس مرة أخرى، وعاث في أراضي جيان وبياسة، ووصل في عيثه إلى أراضي ولاية مرسية، ثم عاد إلى طليطلة مثقلا بالغنائم.
وفي نفس الوقت، وقعت في شرقي الأندلس حوادث مماثلة، وكان السيد أبو العلاء إدريس بن يوسف قائد الأسطول الموحدي وفاتح الجزائر الشرقية، قد سار في جميع وحدات الأسطول الموحدي، إلى مياه برشلونة، وعاثت سفنه في شواطىء قطلونية، وأنزل بها خسائر فادحة، واستولى على كثير من الأموال والغنائم، وكان ذلك في صيف سنة ١٢١٠ م (٦٠٧ هـ). فاستشاط بيدرو الثاني ملك أراجون لذلك غضباً، وجمع قواته وخرج من منتشون ومعه فرقة من فرسان المعبد (الداوية)، وسار جنوباً نحو أراضي ولاية بلنسية الشمالية وعاث فيها، واستولى على عدة من الحصون الإسلامية في تلك المنطقة (١).
وكان لاستئناف النصارى لغزواتهم المخربة، في أراضي الأندلس، على هذا النحو، أعمق صدى، وكان من الواضح أن الحاميات الموحدية الصغيرة التي ترابط في مختلف القواعد، لم يكن في مقدورها أن تقوم برد الجيوش النصرانية الغازية، ولم يك ثمة مندوحة من أن يعبر أمير المؤمنين بنفسه، في جيوشه الجرارة، إلى شبه الجزيرة ليضطلع بنفسه بجهاد النصارى، على نحو ما فعل أبوه وجده. وقد عبر بالفعل وجوه شرقي الأندلس، على أثر غارات ملك أراجون، إلى العدوة، وقصدوا إلى الناصر، مستغيثين به، متضرعين إليه أن يسعفهم بعبوره، فاهتز