للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنه لما يلفت النظر أن الرواية الإسلامية، لم يفتها أن تشير إلى هذا الشقاق الذي وقع في المعسكر النصراني، على أثر افتتاح قلعة رباح، فنرى المراكشي يقول مشيراً إلى افتتاح القلعة " فسلمها إليه المسلمون الذين بها بعد أن أمنهم على أنفسهم، فرجع عن الأدفنش لعنه الله بهذا السبب من الروم جموع كثيرة، حين منعهم من قتل المسلمين الذين كانوا بالقلعة المذكورة، وقالوا إنما جئت لتفتتح بنا البلاد، وتمنعنا من الغزو وقتل المسلمين، ما لنا في صحبتك من حاجة على هذا الوجه " (١).

- ٢ -

وفي ذلك الحين كان الناصر قد وصل في جيوشه الجرارة إلى جيان، وهنالك استقر بظاهرها أياماً، منتظراً عبور النهر، ووقف على ما وقع من أحداث على الحدود، من سقوط قلعة رباح في يد العدو، وما حدث على أثر ذلك في المعسكر النصراني من الشقاق، وما عمدت إليه طوائف الجند الوافدين من العود إلى بلادها. وقدم ابن قادس قائد قلعة رباح عندئذ، إلى المحلة الموحدية، مع صهره ونفر من أصحابه، ليقص أمره على الخليفة، فمنعه الوزير أبو سعيد بن جامع من ذلك، وصوّر موقفه للخليفة أسوأ تصوير، واتهمه بالخيانة وتسليم القلعة للنصارى، فأمر الناصر بإعدامه هو وصهره، دون أن يستمع إليه، أو يستوضح أمره، فأعدما طعناً بالرماح، وكان لمصرع هذا القائد الأندلسي الباسل على هذا النحو، وقع عميق بين مواطنيه الجند الأندلسيين، ولما شعر الوزير ابن جامع بما حدث من تغير نفوس الأندلسيين، استدعى قادتهم، وطلب إليهم أن يعتزلوا جيش الموحدين، وأنه لا حاجة للموحدين بهم. وكانت هذه إحدى البوادر المقلقة في المعسكر الموحدي (٢).

وكان لسقوط قلعة رباح في أيدي النصارى أسوأ وقع في نفس الخليفة الناصر، وكان ألفونسو الثامن عقب استيلائه على القلعة، قد استطاع أن يتغلب بسرعة على ما حدث في المعسكر النصراني، من جراء ذلك من خلل، بسبب رحيل بعض طوائف المحاربين الوافدين، وأن ينظم ما تبقى من قواته المكونة من قوات قشتالة وأراجون وجليقية والبرتغال. وكان ملك نافارا، قد ارتضى


(١) المعجب ١٨٣.
(٢) روض القرطاس ص ١٥٨، والروض المعطار ص ١٣٧

<<  <  ج: ص:  >  >>