للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخيراً بالرغم من خصومته القديمة لقشتالة، ومهادنته للموحدين، أن يشترك في تلك الحملة الصليبية بقوة صغيرة من الفرسان، وذلك نزولا على نصح البابا وإلحاحه (١)، وهكذا استأنفت القوات النصرانية المتحدة سيرها إلى الجنوب نحو الأراضي الإسلامية، ومرت بشلبطرة دون أن تتعرض لها، حتى أشرفت طلائعها على مرتفعات جبال الشارات (سييرا مورينا)، ثم لحقت بها سائر القوات الأخرى، واحتلت البسيط العلوى المقفر المسمى ممر مورادال، وذلك في يوم ١٣ يوليه (العاشر من صفر سنة ٦٠٩ هـ).

وفي خلال ذلك كان الخليفة الناصر، قد تحرك في جيوشه الجرارة نحو الشمال لملاقاة العدو، وكانت الجيوش الموحدية، قد قسمت كالعادة إلى وحداتها العنصرية والقبلية، فكانت خمسة أقسام، يتكون القسم الأول من طوائف العرب، ويتكون القسم الثاني من القبائل المغربية مثل صنهاجة وزناتة والمصامدة وغمارة وغيرها، والقسم الثالث من الجنود المتطوعة، والقسم الرابع من جند الموحدين النظامية، والقسم الخامس من جنود الأندلس. أما عن عدد الجيوش الموحدية التي كان يقودها الناصر، فقد بولغ في شأنه مبالغة كبيرة. ويقول لنا صاحب روض القرطاس، إن الناصر قد خرج في جيوش لا تحصى وأمم كالجراد المنتشر، قد ملأت السهل والوعر، وضاق بهم المتسع والنجد والغور. ثم يقدم إلينا في موضع آخر أرقام الجيوش الموحدية مفصلة، فيقول إن عدد المتطوعة بلغ مائة وستين ألفاً بين فارس وراجل، وبلغ عدد الرجال المحشودين ثلاثمائة ألف راجل، وبلغ عدد العبيد الذين يمشون بين يدي الخليفة بالحراب ويدورون حوله ثلاثون ألف عبد، ومن الرماة والأغزاز (الغز) عشرة آلاف. وذلك كله دون المرتزقة من الموحدين وزناتة والعرب وغيرهم. ومعنى ذلك أن الجيوش الموحدية بلغت مجتمعة نصف مليون مقاتل غير المرتزقة (٢). وفي رواية أخرى لا تقل مبالغة وإغراقاً أن الجيوش الموحدية كانت تضم ستمائة ألف مقاتل (٣)، وهذا تقدير لا يمكن أن يسيغه العقل، إذ كان من المستحيل مادياً أن يكفل تموين مثل هذا الجيش، وخصوصاً في مثل هذه المنطقة الوعرة التي كان يخترقها الجيش الموحدي للقاء


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٤١.
(٢) روض القرطاس ص ١٥٥ و ١٥٩ و ١٦٠.
(٣) المقري في نفح الطيب ج ٢ ص ٥٣٨، ونقله السلاوي في الإستقصاء ج ١ ص ١٩١

<<  <  ج: ص:  >  >>